إضغط على أحد الرابطين
أو
[rtl]
المحور الثاني : معرفة الغير .[/rtl]
[rtl] يُمكن إرجاع أصل إشكال معرفة الغير إلى
طبيعة نمط وجوده ثم إلى
طبيعة الفعل المعرفي باعتباره يفترض
ذاتا عارفة، و
موضوعا للمعرفة. هنا تظهر
مفارقة : عادة ما تقوم الذات العارفة بتشيئ الموضوع وتجميده وتجزيئه واختباره، لكن الموضوع هنا هو أنا آخر له نفس مقومات الأنا. السؤال، هل من الممكن معرفة الغير البشري من دون تشييئه مثل موضوعات العالم المادي الخارجي؟ أم من الممكن معرفة الغير مع الاحتفاظ بغيريته كونه هو أيضا وعي وذات تفكر وتعمل ؟ إذن هل معرفة الغير
صعبة أو مستحيلة وما هي مبررات هذه الاستحالة وما تأثيرها على شرط الوجود بالمعية ؟ أم معرفة الغير
ممكنة ؟وفي هذه الحالة، ما هي شروط هذه المعرفة وكيف يتم التوصل إليها.؟ بمعنى آخر كيف تختلف معرفة الغير إذا كان وجوده وجودا
افتراضيا عن معرفته إذا كان وجوده وجودا
واقعيا، فردا أو جماعة ؟[/rtl]
1- أطروحة صعوبة أو استحالة معرفة الغير
يقول نيقولا مالبرانش ( 1638- 1715)
[rtl]
من البيّن أننا لا نعرف نفوس الناس الآخرين، ولا نعرف عقولهم كما هي إلا معرفة قائمة على التخمين. [/rtl]
[rtl]
فنحن حاليا لا نعرف كل تلك الأمور كما هي في ذاتها، ولا من خلال أفكارها، وهي ما دامت مختلفة عنا، [/rtl]
[rtl]
فإنه ليس من الممكن لنا أن نعرفها من خلال وعينا الذاتي.إن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو محاولة إطلاق[/rtl]
[rtl]
فرضيات تقول بأن الناس الآخرين هم من نفس فصيلة ذواتنا. ونحن ندّعي أن ما نشعر به هو ذاته ما يشعرون[/rtl]
[rtl]
به.....( مقرر مباهج الفلسفة 2.بكالوريا .ص 33)[/rtl]
يقول جاستون بيرجي ( 1896- 1960):
[rtl]1-
كيف لا أحسّ بأن هذا الشعور الحميم، الذي يحميني ويُعرّفني هو عائق نهائي أمام كل تواصل [/rtl]
[rtl]
مع الغير ؟ منذ حين، كنتُ تائها بين الآخرين، لا أكادُ أوجد، والآن اكتشفتُ غَمْرَةَ إحساسي[/rtl]
[rtl]
بحياتي، ولكنّني أتذوّقها وحيدا.إن روحي مِلْكي ولكني سجين فيها..لا يقدر الآخرون على اختراق[/rtl]
[rtl]
وعيي... إن الذاتية هي وحدها الوجود الحقيقي،وهي بطبعها غير قابلة للتواصل. إنني وحيد وكأنني[/rtl]
[rtl]
حبيس نفسي.وأنا أعيش وحيدا مُحاطا بسور، وأشعر بالعزلة أكثر من شعوري بالوحدة، وعالمي[/rtl]
[rtl]
السري سجن منيع. 2-وأكتشف في الوقت نفسه أن عالم الآخرين ممنوع عنّي مثلما أن عالمي مُغلق[/rtl]
[rtl]
أمامهم. إن ألم الغير، يكشف لي مرارة انفصالنا الجذري عن بعضنا البعض، انفصالا لا يقبل بتاتا[/rtl]
[rtl]
الاختزال..إن ألم صديقي يبقى ألما خارجا عني أي هو تجربه الغير الشخصية وليست تجربتي أنا.[/rtl]
[rtl]
هكذا هو الإنسان، سجين في آلامه، ومنعزل لذاته ووحيدا في موته...محكوم عليه ألا يُشبع رغبته[/rtl]
[rtl]
في التواصل."[/rtl]
[rtl]
نحن أمام موقفين فلسفيين يتفقان حول
صعوبة معرفة الغير، لكن لكل موقف مبرراته ومنطلقاته الفلسفية. بالنسبة لمالبرانش فهو ينطلق ، مثل أستاذه ديكارت من
الفصل بين الفكر والوجود، والنتيجة استحالة معرفة الأشياء الخارجية في ذاتها ، بسبب غياب الارتباط التفاعلي أو السّببي المُوجد لعلاقة تفاعلية بين طرفي الوجود( هو نفس الفصل بين الفكر والجسد).وما دام الغير يوجد خارج الذات فيسري عليه
مبدأ الفصل هذا. لكن مالبرانش يقترح منحى آخر لمعرفة الغير كبديل لمعرفته في ذاته كحقيقة واقعية، وهو أن تكون معرفتنا للآخر قائمة على التخمين والافتراض العقليين ما دامت [/rtl]
[rtl]
الأستاذ كمال صيدقي.[/rtl]
[rtl]الحواس وسائط انفعالية وليست وسائل حقيقية لمعرفة ما يوجد خارج الذات. وأساس هذا التخمين هو
الاستدلال بالمماثلة، بالرغم من اعتراف صاحب النص "
أنه ليس من الممكن لنا أن نعرفها من خلال وعينا الذاتي" بحجة أنها منفصلة عن الذات، وأقصى ما يمكن الوصل إليه هو التخمين من خلال المماثلة.[/rtl]
[rtl]إن النص تأسس على
مفهومين مركزيين هما :
التخمين والفرضيات، مما يعني أن العقل ، وليس الحواس، يُمكنه على الأقل تحديد
معرفة افتراضية عندما استحالت
المعرفة الواقعية. وحجته في ذلك ،
اختلاف الغير عن الذات.[/rtl]
[rtl]
لكن، ألسنا أمام نوع من
المفارقة والتي تتمثل في إثبات صاحب النص
لنوع من معرفة الغير بالرغم من ادعائه صعوبة المعرفة؟ فالتخمين وإطلاق فرضيات فهي على كل حال نوع من المعرفة، وإن لم تكن بالضرورة معرفة حقيقية شبيهة بمعرفة العالم المادي.[/rtl]
[rtl] أما بالنسب لصاحب النص الثاني، فقد كان واضحا في إثبات صعوبة معرفة الأخر، وقد قدّم لنا
مجموعة من الحجج كالتالي:[/rtl]
[rtl]
يمكن اعتبار بناء الوحدات الدلالية نوعا من الحجاج:[/rtl]
[rtl]1-
المقارنة بين وضعية الذات ووضعية الغير.[/rtl]
[rtl]2-
إن " حميمية " الذات عائق أمام اختراقها من قبل الغير، ومن ثمة استحالة التواصل مع الغير.[/rtl]
[rtl]3-
إن عُزلة الذات وتفّردها سبب لانعزالية الذات وجهلها من طرف الغير بسبب استحالة التواصل ( انغلاق الذوات).[/rtl]
[rtl]4-
الحجة في ذلك،
تشبيه هذه العزلة الذاتية
بمثالين: السجن المنيع، و
الإحاطة بسور.[/rtl]
[rtl]5-
إن الذات سجينة ذاتها ولا يمكن لأيّ كان اختراقها.( استحالة التواصل بسبب عزلة الذات)[/rtl]
[rtl]6-
مماثلة الذات بوضعية الأخر،بمعنى الأخر له عالمه الخاص مثل عالمي، وهو أيضا سجين ذاته ويُحيط به سور منيع ، يمنع الذات من اختراق وعي الأخر، لأنه هو الآخر عالم مغلق مثل عالمي الحميمي. النتيجة : ممنوع علي اختراق وعيه،والعكس صحيح، ومن الصعب الحديث عن
تجربة مشتركة بين الذات والغير، بل لكل عالمه الخاص.[/rtl]
[rtl]7-
توظيف نموذج ثان من
الأمثلة والمقارنة : المقارنة بين ألم الغير وألم الذات، فهما لا يتشابهان في المعايشة بحجة أنهما تجربة شخصية حميمية ولا يمكن أن تعيشها الذوات بشكل متطابق.[/rtl]
[rtl]8-
بالمحصلة كل من الذات والغير عالمان متقابلان أشبه بسجنين منفصلين أو عالمين خاصّين، لا تواصل بينهما بشكل حقيقي وواقعي، وإحساس الذات بالآخر دائما يبقى إحساسا برّانيا / خارجيا لا يعكس أن هناك بالفعل تواصلا أو تفاعلا..[/rtl]
[rtl] 1
- أطروحة إمكانية معرفة الغير.[/rtl]
[rtl]يقول موريس ميرلوبونتي ( 1908- 1961 )[/rtl]
[rtl]
يُعتقد أن الغير يُحوّلني إلى موضوع وينفيني، مثلما أنّني أحوله إلى موضوع وأنفيه.لكن الواقع،[/rtl]
[rtl]
لا تحوّلني نظرة الغير إلى موضوع، ولا تُحوّله نظرتي إلى موضوع إلاّ إذا احتمى كل واحد منا [/rtl]
[rtl]
بأعماق طبيعته الفكرية، وإلاّ إذا تبادلنا نظرة لا إنسانية،إلاّ إذا أحس كلّ واحد منا بأفعاله، لا من [/rtl]
[rtl]
حيث هي أفعال مفهومة، وإنما من حيث يتم إدراكها وكأمها أفعال حشرة من الحشرات....ومع [/rtl]
[rtl]
ذلك فإن رفض التواصل هو نمط من أنماط التواصل.[/rtl]
[rtl]
فإذا كان عليّ أن أتعامل مع إنسان مجهول لم ينطق بعدُ بكلمة، فبإمكاني أن أعتقد أنه يعيش[/rtl]
[rtl]
في عالم آخر...لكم ما إن ينطق بكلمة، أو يقوم بحركة حتى أكفّ عن التعالي على ذاتي، وأقول : [/rtl]
[rtl]
هو ذا صوته وتلك هي أفكاره. هاو إذن المجال الذي اعتقدتُ أنه صعب الإدراك... إن الأنا واحدية[/rtl]
[rtl]
لا يمكنها أن تكون أمرا حقيقيا بشكل صارم...مادام وجود المرء يعني كونه في العالم. ولا يمكن[/rtl]
[rtl]
للفيلسوف أثناء خلوته ألا يحمل معه الآخرين، لأنه تعلّم بشكل أبدي أن يُعملهم على أنهم أشباه.[/rtl]
فالذاتية المتعالية ... هي بين – ذاتية."
[rtl] يقدم لنا ميرلوبونتي أطروحة مخالفة لما قدمه كل من مالبرانش وبيرجي. فهذا المفكر يؤمن بأن الغير يشبهني وفي نفس الوقت يختلف عني، ولكنه
معي في الوجود. والطريق إلى معرفته يمرّ عبر
مشاركة وجدانية بين الوعيين، انطلاقا من
السلوك الجسدي أو
هيأته ، كبؤرة لتجربة حسية تكشف عن ما يحس به الغير وجدانيا وإن كان ليس هو وجداني أنا.هذا هو شرط
التواصل بين الذوات.وآلية هذا التواصل ( = المشاركة الوجدانية إضافة إلى الجسد)هي
اللغة ، والتي تضع حدا[/rtl]
[rtl]
.[/rtl]
[rtl]للقطيعة (
هو ذا صوته هي ذي أفكاره)،أما
التمركز حول الذات و تشييء الغير، فهذا الوضعان لا يعدمان التواص بل يجعلانه معلّقا فقط إلى حين التحول إلى
النظرة الإنسانية وتجاوز
النظرة الحيوانية التحقيرية أو المتعالية.[/rtl]
[rtl] يقول ميرلوبونتي في موضع آخر :"
إن معرفة الغير تقتضي التعاطف معه...وذلك لآن الغير وعي لا أستطيع معرفته إلا إذا اعتبرته مثل ذاتي.". إذن لا بد من مشاركة الغير حزنه وفرحه حتى أستطيع التقرّب إليه وإن كان ليس فرحي وحزني أنا، ولكن التعاطف مع هذا الغير شرط
لقصدية ترمي
الانفتاح على الغير بالرغم من عامل الاختلاف.( هنا يختلف ميرلوبونتي عن بيرجي).إذن يعترف ميرلوبو نتي بعدم تطابق وجدان الغير مع وجدان الأنا، بحجة أن تعاطفي مع صديق [/rtl]
[rtl]يتألم ليس هو نفس ألمه بسبب اختلاف الوضعيات. يقول م م :"
ومع ذلك فمن خلال وضعياتنا الخاصة يتمكّن وعينا من بناء وضعية مشتركة تحقق التواص من خلالها."، ومع ذلك هذا التعاطف لا يقطع التواصل الوجداني.[/rtl]
ويمكن الجزم في النهاية بأن ميرلوبونتي مؤمن بالفلسفة الفينومينولوجية والقائلة بأن كل وعي هو وعي بشيء ما،، بمعنى أن الوعي يحمل في ذاته الموضوع الذي يقصده، إذن تتم معرفة الغير من خلال الوعي القصدي