شرعت وزارة التربية الوطنية للتعليم من خلال الوحدة المركزية لتكوين الأطر ، وبالتنسيق مع باقي المصالح المركزية المشكلة للقطب البيداغوجي في أجرأة برنامج التكوين المستمر لفائدة أطر وزارة التربية والتعليم.. ومنها الأجرأة الخاصة بالتكوين المستمر لفائدة مدرسي الفلسفة.وقد حضرتُ رفقة الفريق التربوي لجهة تادلة أزيلال يومه 2009/10/22 في إطار دورة خاصة بتكوين المكونين لفائدة الأكاديميات..في أفق أجرأة مضامين التكوين المستمر مع باقي مدرسي الفلسفة في الجهة. الفكرة من حيث المبدأ ضرورة ترقى إلى مستوى الواجب، لأنه لا يمكن تصور مدرس قادر على تنمية كفايات(...) لدى المتعلم وهو لم يُنمّ كفاياته البيداغوجية والمهنية، والتكوين المستمر جزء مّلازم للحياة المهنية للمدرّس طيلة حياته. إلا أنه ليس المشكل في المبدأ، ولكن في مدى توفر إرادة حقيقية لدى جميع الأطراف المعنية بالنهوض بقطاع التربية والتكوين. والسؤال الذي يطرح: لماذا قطاع التعليم العمومي يعرف تدهورا موازاة مع كل مُخططات الإصلاح بدءا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟ دون أن نتحدث عن الإخفاقات السابقة على الأقل بدءا من ندوة إفران...من المسؤول عن تدني الحس المهني والمعرفي لدى كل الأطراف؟ ما يهمنا في هذه اليومية هو تدريس مادة الفلسفة، والمشاكل المزمنة التي تطفو من حين إلى آخر كلما لاح في الأفق برنامج إصلاحي،ظهر للوجود من أجل إصلاح برنامج إصلاحي قبله ، لينتظر هو الآخر برنامجا إصلاحيا يُصلح ما أفسده وهو يروم إصلاح الإصلاح السابق... وهكذا ذواليك ، ومن خلال عبثية تجمع بين المفارقات لتقتل فينا الحي الإشكالي والنقدي، من خلال استهلاك كل إصلاح هو في أساسه يحمل بذور فشله، ولا أحد يتجرّأ على مُساءلة مكمن الداء، وكأننا في انتظار " كودو " En attendant Godot كما في مسرحية العبث الشهيرة لصاموييل بيكيت ، والوضع بين مدرسي الفلسفة ( وكل مدرسي قطاع التربية الوطنية للتعليم) والمسؤولين على قطاع التربة والتكوين، هما أشبه ببطلي المسرحية السابقة : Vladimir et Estragon ، بحيث أنهكنا الزمن، ولا زالت المشاكل البنوية هي ذاتها، ونجتر في الإصلاح حتى أصبح الإصلاح من أجل الإصلاح، ليس من أجل الإرتقاء بالممارسة المهنية والمعرفية إلى ما يخدم حقيقة هذا الوطن، ومن خلاله المواطن ( ولن أعيد مفاهيم السبعينات: الطبقات الكادحة والتعليم الطبقي...فالمشكل هو المشكل وتلك تسميات وتصنيفات تغيرت أعراضها كتواطئات لغوية ولكن حمولتها هي هي كمعاناة تتمثل في وضعية " تفكّكية " أرهقت العقول والميزانيات. وإلا ما الفرق بين : الميثاق الوطني و المخطط الاستعجالي؟ الوضع هو هو ولن يتزحزح قيد أُنملة، بينما التسميات والإبداعات الإدارية لا تنتهي..هي نفس الوضع، ونفس الأزمة ولكن بتسميات مختلفة.)
نعود إلى مادة الفلسفة...بعد اطلاعي على مضامين التكوين المستمر، وبعد اطلاعي على المسؤولين الذين أشرفوا على إعداد برنامج الكوين المستمر وهم السادة:
- مصطفى كاك.
- عبد الرحيم أزويل.
- عبد الله الطني.
- عبد الغني التازي.
- عائشة أنوس.
حضرتني أشياء كثيرة قيلت عن بعض المشاركين، وهي مرتبطة بتجارب فاشلة في تدبير الشأن التربوي، بل أكثر من ذلك حتى مشاركات بعضهم في العديد من الندوات التي أقامتها المنسقية المركزية لمادة الفلسفة، كانوا دون المستوى و ظهر أنهم في واد وما ندرّسه في واد آخر ( وهي من عيوب العمل الإداري الذي يقتل بالتدريج ما راكموه من خبرة في التجربة الفصلية، والدليل :من كتب التلاميذ التي جعلت المدرس والتلميذ يتحملان طبع نصوص غير التي في كتاب التلميذ، بل وبإعادة تقطيع وتنظيم لهيكلة المجزوءات من جديد...) أقول هذا المؤشر خضع لمنطق الزبونية، بل أكثر من هذا حتى المدرسين الذين تم استدعاؤهم للمشاركة في أن يكونوا مكونين خضعت للعلاقات الشخصية !!!!!، إذ كان من المفروض أن تتم اشتشارة مدرسي الفلسفة بخصوص موقفهم من المقرر الجديد للفلسفة، والصعوبات التي يُلاقونها ، وما هي اقتراحاتهم وانتظاراتهم ( على الأقل احترام لعبة التشارك ) كما حصل سنة 1995 حيت تمت استشارة كل مدرسي الفلسفة بالمملكة، وأُقيمت ندوات تربوية حقيقية وفي جو من المسؤولية النادرة، وأرسلت تلك الاقتراحات من قبل كل الأكاديميات إلى مديرية التعليم الثانوي قسم البرامج، وبالفعل تم إصدار كتيّب أدرجت فيه كل اقتراحات مدرسي الفلسفة حسب الأكاديميات بكل شفافية. أين فريق العمل أعلاه من هذا التقليد الذي أُقبر بدون مبرر ونحن في عهد جديد شعاره تقريب الإدارة من المواطنين.
نقرأ في الصفحة 4 من كُتيّب : اللقاءات التربوية الخاصة بأساتذة الفكر الإسلامي والفلسفة العاملين بالثانوي 1995،
" إن مجموع الوثائق المذكورة، والموجهة أصلا إلى السادة الأساتذة ، بإشراف التأطير التربوي، تهدف أساسا إلى إخبار الفاعلين الأساسيين وإعلامهم بالتعديل المُرتقب بأسبابه، بطبيعته وبأهدافه، وذلك قصد إشراكهم في تطوير التجربة الحالية من خلال إطلاعهم المباشر على نتائج ملاحظاتهم التقويمية، ومساهماتهم الفعالة من تجاوز كل سلبياتها والحفاظ على إيجابياتها." . أين هذه الاستراتيجية من ما يحصل اليوم وكأننا مجرد تلامذة يفرضون علينا برنامجا للتكوين المستمر دون مناقشة قبلية لما هو موجود ، قبل أن نستكمل فيه التكوين. كيف أستكمل تكويني على قاعدة هشّه، وبرامج مفكوكة، وكتب مدرسية لا حول ولا قوة لها.ما هذا العبث؟ لماذا تهميش الفاعلين االحقيقيين الذين هم الدعامات الحقيقية لإنجاح كل إصلاح أو إنجاح كل مقرر دراسي؟ فنحن المدرسين من سيقوم بتأكيل التلاميذ ما يُطبخ في مطابخ الوزارة المعنية، ومع ذلك لسنا مجرّد " كارسونات" أو " طرّاح " الخبز نوصل السخرة كالبلداء.فشيء من الاحترام ونحن في رحاب الفلسفة، والفلسفة كما ندرّسها للتلاميذ تحمل قيم التسامح والكرامة والإيمان بالتعدد والاختلاف والعيش المشترك..............!!!؟؟؟؟؟؟
نقرأ في نفس الكتيّب السابق ، في ص 3 :" وكان الوعي بجدّة التجربة وما يتطلبه ذلك من تغيير في السلوكات والعادات، ومن تمثل واستيعاب وتحكم، حافزا يدفع الجميع، أساتذة ومشرفين تربويين ولجن تأليف، إلى التتبّع الميداني لتطبيفها، ورصد النتائج وجمع الملاحظات النقدية والتقويمية، وتلقي الاقتراحات والبدائل، وفتح الحوار الإيجابي الهادف إلى توفير ظروف ملائمة إنجاح التجربة وإلى تطويرها وتحسينها: وفي هذا السياق تم الإنصات جيدا لملاحظات الأساتذة الواردة في تقارير المجالس التعليمية، ولأراء المشرفين التربويين خلال اللقاءلت التربوية، وعبر وثائق الأنشطة التربوية الجهوية، والندوات التكوينية الوطنية والجهوية المنعقدة لفئدة هيأة الإشراف التربوي والأساتذة."
إلى أي حدّ أن هذه التقليعة الخاصة بالتكوين المستمر هي بمثابة " طوق نجاة " بالنسبة لمن دبّر الشأن التربوي الفلسفي، بتواطؤ مع مدرسين للفلسفة ( يبحثون عن منفعة ما !!!!)، وبالتالي تأكيد مصداقية البرامج والكتب المدرسية من خلال التكوين المستمر الحالي.إن أجرأة " المصوغتين : الديداكتيك والتقويم" كان من المفروض أن تُطرح للنقاش القبلي كما حصل سنة 1995، ليتم تعديل ما يمكن تعديله واقتراح الممكن، ثم يأتي استكمال التكوين على برامج حصل حولها توافق، وليس برامج وكتب أثبتت التجربة احتواءها على كثير من حالات الضعف والقصور المعرفي والبيداغوجي..وكثير من مدرسي الفلسفة الذين فُرض عيهم التدريس بكتاب " المنار" مثلا يُعانون معاناة حقيقية لحظة تشغيل التلميذ في المنزل.
على أي أساس يكون التكوين المستمر بناء على تعدد كتاب التلميذ على أساس كل النواقص التي ظهرت في المقررات الحالية؟ فإذا نجحت التجربة في فرنسا فليس معنى هذا يمكن نجاحها في المغرب.فلو تم طرح كتاب التلميذ للتداول لكان البديل هو توحيد كتاب التلميذ، وعندها يأتي التكوين المستمر على هذا الأساس.ودعونا من الذين يُهوّنون من كتاب التلميذ بحجة أن المدرس مُلزم بوثيقة البرامج والتوجيهات..فهذا مجرد " لغط" فكتاب التلميذ جزء من العملية التربوية،وإلا لماذا خُصصت له الملايين من السنتيمات؟ ولكننا تجاوزنا عيوبه على حساب جيوب التلاميذ والمدرسين.
سؤال أخير : أين فلاسفتنا ومدرسي الفلسفة في الجامعات المغربية من ما يقع للشأن الفلسفي بالثانوي التأهيلي؟ ما سبب صمّهم لآذانهم في بروجهم العاجية وحياتهم الباذخة؟ هل حقيقتهم هي التأيف والبحث الأكاديمي الذي لم يعد يهتم به أحد أمام مجانية الكتب بالشبكة العنكبوتية بالرغم من تدني مستوى القراءة أصلا إلى درجة االصفر؟ لاحظوا معي كيف أن الفلاسفة الفرنسيين من العيار الثقيل والمفكرين البيداغوجيين الكبارا ،هتموا بالشأن الفلسفي في مرحلة الثانوي التأهيلي: سارتر، جاك دريدا،لوك فيري، هنري بينا رويز، فرانس رولان،ميشال طوزيـ سبونفيل ...وغيرهم.، أما فلاسفتنا فلستُ أدري سبب غيابهم من ساحة تأهيل الدرس الفلسفي في الثانوي التأهيلي، والحالة هذه وهم البارعون في الاقتباس من الغرب أحدث النظيات والنوضات والموجات، فهلاّ يقتبسون شيئا من التقليد الفلسفي الفرنسي المُهتم بتدريس الفلسفة بالثانوي؟ كيف نفسر اهتمام " جاك دريدا " الحميمي بالدرس الفلسفي في الثانوي...كيف نفسر اشتغال سارتر مع تلامذة أولى ثانوي لم يسبق لهم أن عرفوا أسطورة كهف أفلاطون، وبتقنية سقراطية وبيداغوجية عالية، ولّد منهم كل مراحل وعتبات أسطورة الكهف.....
وأخيرا أين موفق الأستاذ إدريس كثير من ما يجري للشأن الفلسفي، وهو الأستاذ المُحنّك والمتواضع... ومع الأسف تم تهميشه ومعه تهميش الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة ( على حدّ علمي حتى هذه اللحظة) مع أنه كان من المفروض أن يكون ضمن لجنة إعداد برنامج التكوين المستمر.
ومع ذلك نحن مستعدين للقتال من أجل الدفاع عن الفلسفة، ونحن مثل السمك لا يعرف له من حياة غير حياة الماء.، ....وسنتفاعل إيجابيا مع التكوين المستمر، وسنعمل على إنجاحه بالرغم من قصور الساهرين على الشأن الفلسفي بالمغرب، لسبب وحيد ، وهو ليس لنا من خيار غير الدفاع عن الفلسفة، وتطويع كل إصلاح أو تكوين ، حتى ولو كان ارتجاليا أو صوريا أو لمجرد تصريف ميزانية على هزالتها مع علمنا من يستفيد من منها أكثر...وأين سيذهب الباقي ولا من مُحاسب ( الله يزيد في الرزق على ظهر.....!!)
هذه مجرد خواطر مدرس فلسفة، أراد البوح بما يعتمل في نفسه، بدل الصمت أو الثرثرة على كراسي المقاهي التي تختلط برمق الفتيات الفاتنات كعبق يُنسي مرارة الواقع، ليدخلنا إلى مرارة أخرى...رحم الله سجموند فرويد ، لقد كان أدرى ببواطن الناس بعد الله طبعا.
تُصبحون على خير.