المسكوت عنه في النص وبالفرنسية le non dit ، بمعنى أن صاحب النص - في إطار حديثه عن قضية معينة - يتحدث عن أشياء وفي نفس الوقت يسكت عن أخرى، لعدة أسباب:
1- أسباب لا شعورية، بمعنى أن ما يُحرج الكاتب يتم تفاديه بالسكوت عن ذكره، تفاديا للإحراج
( مثال: في نص ميلاني كلاين " من الحاجة إلى الرغبة "، نقل المترجم كيف أن ثذي الأم هو في مرحلة أولى موضوع إشباع حاجة الطعام. ولكنه سكت ( لم ينقل في النص ) كيف يتحول ثدي الأم إلى موضوع إشباع رغبة جنسية ( مُنحرفة ) من خلال مص ومداعبة حلمة ثدي الأم، لأنه يشعر من خلال هذه الرغبة باللذة، وحاول فرويد بأن يٌفسّر إشباع رغبة التلذّذ بتجسّد الرغبة الجنسية عند الطفل. وهذا في سياق التطور النفسي- الجنسي للطفل ، وسمى فرويد رغبة التلذذ عبر المص " المرحلة الجنسية الفمية"...كل هذا سكتت عنه لجنة التأليف حين وضعت نص ميلاني كلاين، حتى تتحاشى الاستنتاج التالي: أول تفتّق للرغبة الجنسية عند الإنسان يبدأ عند الرضيع في علاقته بثدي أمه.
2- أسباب اجتماعية وسياسية، أي السكوت عن ذكر بعض القضايا أو الخوض في مناقشتها، وهذا اختيار فصدي له عدة رهانات إيدولوجية بالخصوص. مثلا الخطاب اليساري مؤمن بالدفاع عن حقوق الجماهير الكادحة، ويتحدث عن العدو الطبقي، وكيفية الصراع ضده، من أجل انتزاع حقوق الكادحين. ولكن الخطاب اليساري يسكت عن المسألة الدينية، و لا يعتبرها من الحقوق، لأنه في اعنقاده أن الدين مطية للقوى " الظلامية " تُحارب به الفوى التقدمية " المتنورة ". وهنا المفارقة، الجماهير الشعبية الكادحة مُتديّنة، والدين جزء من هويتها، لكن يتم السكوت عنه لأن مرجعية اليسار التقليدي الأرتودوكسي لها موقف من الدين هو الموقف الماركسي من الدين المسيحي، وبالتالي في مطالبها تسكت عن الحقوق الدينية للطبقة الكادحة.وبالمقابل نجد الحركات السياسية التي تتخذ من الدين مرجعية لهاـ تسكت عن كون المشاكل السياسية والاجتماعية كونها مشكلات تاريخية، وترجع إلى الماضي لأيجاد حل لها، في حين أن الرجوع للماضي هو مجرد مطية وليس حل المشاكل من خلال أسبابها التاريخية وليس الميتافيزيقية. زمن هنا تسكت عن الخوض في العلاقة المعقدة بين التاريخي النسبي والمتحول ، والميتافيزيقي الثانث والمطلق.المفارقة أن عالم الدين يدعو، كمفكر،إلى ما هو موجود، أما السياسي فهو يمارس لعبة سياسية ( كيف نستعمل فيها الدين ؟!!!) "يتعامل مع ما هو موجود ليستخرج منه بينية إيديولوجية تصورية محركة لرغبات الجماهير ومثيرة لخماستها النضالية"( من حوار مع محمد أركون.مواقف 1981 ص53))
هكذا سيتحول مفهوم المسكوت عنه إلى رغبة في تجاوز ما صرّح به الكاتب ( وما قاله ) إلى البخث عن ما لم يقله وسكت عنه مع طرح السؤال : لماذا؟ بمعن - كلّنا- نقول أشياء ونسكت عن أخرى. وهذا التصرف يجب أن يساءل لأنه غير بريئ. وبالتالي منهجيا هو مفيد. فالدراسات النقدية المعاصرة لم تعد تكتفي بتحليل ما صرّح به الشاعر أو كاتب القصة... بل القيام بقراءة تشخيصية للقضايا التي سكت عنها لدى حديثه عن موضوع كان من اللازم طرقها
والتفكير فيها. بل هناك من النقاد من يتجاوز النوايا الواعية للكالتب إلى الكشف عن نواياه اللاواعية ( كما فعل لوسيان غولدمان في قراءته لأعمال الروائي الفرنسي بالزاك، هذا الأخير الذي ينتمي طبقا للبرجوازية، لكنه قدم نقدا لاذعا للبرجوازية لم يٌقدمه معارضو البرجوازية. السؤال ما النوايا اللاواعية التي حركت نقد بازاك لطبقته.
يحيلنا مفهوم المسكوت عنه إلى مفهوم آخر هو "اللامُفكر فيه " في مقابل " ما تم التفكير فيه" وإلى " الذي لا ينبغي التفكير فيه" لعدة أسبياب.
لهذا نُعلّم تلامذتنا بأن كل نص فلسفي يُصرّح بشيء وفي نفس الوقت يُخفي أشياء، وعلينا تحليل ماتم التفكير فيه، ولكن أيضا استجلاء ما سكت عنه صاحب النص ‘ما قصدا أو لا شعورا. مثلا في كتايات ديكارت كان يتحاشى نقد الكنيسة، وبالتالي كان يسكت عن نقدها حتى يتحاشى ما تعرض له برونو وجاليلي...
وشكرا على السؤال