[size=18] نص الفيلسوف الانجليزي المعاصر برتراند راسل B.Russell من كتابه "مشكلات الفلسفة"، يتناول من خلاله -قيمة الفلسفة- في سياق ما يوجه لها من انتقادات تكشف التمثلات الخاطئة السائدة حولها، لذا يعمل على مقارنة الفيزياء بالفلسفة من حيث أثرها في الواقع، ويميز بين الخيرات الفكرية والمادية، وهو ما يسمح ببيان فوائد التفكير الفلسفي على الإنسان فردا وجماعة[/size].
[size=24] [size=18]"[/size]كـثيـرون هم أولئك الذين يشكُّون، بتـأثيـر العلم أو الحياة الغارقة في الأعمال، في أن تكـون الفلسفة مـجرد شاغل بريء، ولكن تـافه، ومن بـحـث فـارغ في فروق دقيقة، ومن مُـجادلات حول مواضيـع غيـر مفهومة.
[/size]
يـعـود هذا الـتصور الخــاطئ للفلسفة، في جانب منه على مــا يظـهـر، إلى تصـور خاطئ للمشــــاكل الحيوية، وفي جــانب آخر، إلى تصورخاطئ لأهـداف الفلسفة. إنَّ علم الفيزياء يفيد كـثيـرا من الناس، هُم في جهل تـام بهذا العلم، عـبـر مــا يـقدمه لـهم من اختــراعات، لذا فالفيـزياء مطــلـوبة ومرغــوبة ليس فقط لكــونهـــا مفيدة لـمـن يـتـعمَّـق فيها، بل بسبب تـأثـيـرها في البشرية قاطبة. أما الفلسفة فليس لـها قيمة عند غيـر الفلاسفة إلا بطريقة غيـر مباشرة، مـن خلال تـأثـيـرها في دارسيها. فـفـي هذا التأثيـر، قبل غيـره، يـجب إذن البحث عن قيمة الفلسفة.
غـيـر أنَّ علينـا أكـثر من ذلك، إن كُـنـَّا نـريد ألا تـبـوء مـحاولـتـنا تـحديد قيمة الفلسفة بالفشل، أن نشرع أولا في تـحرير عقولنا من الأحكــام الـمسبقة التي يتمسك بها أولئك الذين يُـنعَـتـــون بالـنـــاس"الـعـمـليـيـن"، لأنهم لا يعترفون سوى بالـحـاجات الـمادية، يـعــتـرفون بضرورة تـغـذية الـجسم ويُنكــرون أهـمية تـغذية الفِكـر.على أنـه حتى لـو صـــار الجـمـيع أغنياء، وتـمَّ تقليص الفقر والـمرض إلى أبعد حَد، فسوف يظل هنـــاك الكثيـر مـِمَّــا ينبغي عمله لإقـامة مـجتمع أفضـل. هذا فضـلا على أنَّ للخــيـرات الفكرية، حتى في العالـم على مــــاهو عليه، على الأقـل قَدرَ مــا لـلـخـيــرات الـمــادية مــن أهـمية وشأن، في قلب هذه الخـيـرات الفكرية يـقـع مكان الفلسفة وتـتـحدد قـيـمتـهــا. إنَّ الذيـن تستــهـويــهـم هذه الخـيــرات هُم وحدهم الـقـادرون على إدراك أنَّ دراسة الفلسفة ليست مضيعة للوقت.
هكذا تستـحق الفلسفة أن ندرُسها ليس من أجل أن نبحث فيها عن أجوبة دقيقة للأسئلة التي تطرحها، ما دام أنَّ الأجوبة الدقيقة لا يـمكـن الـتحقـق من صِدقها، بل بالأحـرى بسبب قيمة الأسئلة التي تطرحها. هذه الأسئلة تـقـوم في الواقع بتوسيع تـصورنـا للممكن، وتُــثـري خيالـنـا العقلي، وتُـقلِّـل من ثـقـتـنـا اليقينية التي تُـغلـق الفكر وتـسُـدُّ عليه منـافذ كـل تـأمل. فالفلسفة تُـدرَسُ أولا لأنَّ الـعـقـل بـما يـتـأمله عـن طـريـق الفلسفة من عظَمة الكـون يـعـود عظيمـا ويُـصبح قادرا على الاتــحاد بالكـون الذي هو الخيـر الأسـمـى".
[b] برتراند راسل، مشكلات الفلسفة [/b]