من المشكلات المطروحة بخصوص مجزوءة المعرفة تتعلق بتبرير الانتقال من مفهوم النظرية والتجربة إلى مفهوم الحقيقة بالنسبة للمسلك العلمي. السؤال ما هي احتمالات تبرير هذا الانتقال بحجة أن فهم الروابط بين مفاهيم نفس المجزوءة مطلب منهجي ومعرفي في نفس الوقت.
إذن ماطبيعة العلاقة بين إشكالية المعرفة العلمية وقضية الحقيقة؟
من الاحتمالات الممكنة لربط الجسور بين المفهومين، وجب الانفتاح على إشكالية الحقيقة لحظة الاشتغال على الأطروحتين الواقعية العلمية والعقلانية العلمية في معرفتهما للواقع موضوع هاته المعرفة العلمية... بالمحصلة الحقيقة العلمية عند التجريبيين أو الواقعيين هي مطابقة النظرية العلمية للواقع، من منطلق أن الواقع هو أصل الحقيقة، ومن ثمة تبعية النظرية للواقع.بحجة أن الواقع لدى هاته الأطروحة معطى وجاهزا، ومن ثمة فالحقيقة بالتبعية هي الأخرى معطاة. لكن العقلانيين التطبيقيين يرون أن الحقيقة تبنى وليست معطاة، ولهذا قال باشلار :"ليس العلم وصفا لما يظهر أما الإدراك، بل هو أنشاء للظواهر الطبيعية وخلقها علميا.."
هذه مؤشرات على طبيعة العلاقة الوجودية بين المعرفة والحقيقية، من منطلق أن كل معرفة أو خطاب هو بحث عن الحقيقة، وهذا يقتضي وجود ذات عارفة وموضوعا للمعرفة وبينهما حُكم أو خطاب هو مقر الحقيقة. هذه هي أركان الحقيقة الثلاث، بحيث نبحث عن الحقيقة في الحكم أو المعرفة علما أن كل بحث يقتضي منهجا مخصوصا تفترضه طبيعة ونوع الموضوع المعروف....في النهاية تبرز الحقيقة العلمية من خلال معيار علمية النظرية العلمية، هنا نكتشف مفهومين أساسين لهما علاقة مباشرة بالحقيقة، مفهوم " اليقين " عند التجريبيين، ومفهوم " الاحتمال " عند العقلانيين التطبيقيين. الأول مرتبط بيقينية وحقيقة النظرية العلمية باعتبارها وصفا للواقع كما يتجلى في حقيقته الظاهرة والتي تنقلها الملاحظة والتجربة من دون تدخل ذاتية العالم، بينما الثاني مرتبط باحتمالية محدودية التفسير انطلاقا من القابلية لتكذيب النظرية العلمية، والتي يتم تعديلها كلما استجدت إشكالية علمية.( تارخ العلم هو تاريخ الأخطاء)
السؤال إلى أيّ حدّ أن هذا الاشتغال على طبيعة الحقيقة العلمية،تمهيد ضروري لفهم الارتباط الجدلي بين المعرفة والحقيقة،ومن ثمة الانفتاح على مفهوم الحقيقة في امتداداته وتحولاته الفلسفية : عوائق الحقيقة، معايير الحقيقة، مصدر قيمة الحقيقة)، لكن قد يصطدم هذا التمهيد بالطابع الفلسفي لإشكالية الحقيقة في حالة مقاربتها بمعزل عن ارتباطها الإشكالي بالنظرية والتجربة وبإشكالية المعرفة عموما. وقد تجسد هذا الارتباط في صيغ بعض الامتحان الوطني طبقا لصيغة مفهومين من نفس المجزوءة، وبعض صيغ الامتحان الوطني تؤكد هذا الترابط بين مفهومي النظرية والتجربة والحقيقة، مثلا في سنة 2008 كانت صيغة السؤال المفتوح كالتالي:"هل يقود تطور العلوم إلى إنكار قيام حقيقة نهائية ؟"وفي سنة 2009 جاءت صيغة القولة المرفقة بسؤال كالتالي:" إن التجربة العلمية التي لا تُصحّح أي خطأ، وتقدم نفسها بوصفها حقيقة لا نقاش فيها، تجربة لا تصلح لأيّ شيء." انطلاقا من القولة، بأي معنى تصحح التجربة أخطاء العلم."
لكن في مقابل هذه الصيغة قد يُساءل المترشح حول مفهوم واحد، مثلا صيغ الامتحانات المتعلقة بمفهوم الحقيقة:
1-هل يمكن الدفاع عن الرأي القائل إن الحقيقي هو النافع؟2004
2- هل يمكن الاطمئنان إلى البداهة للتعرف على الحقيقة ؟ 2005
3- بأي معنى يمكن القول إن الحقيقة ليست معطاة بل هي بناء؟2005
4- لم الاعتراض على الرأي باسم الحقيقة؟2013
السؤال ما الطريقة الديداكتيكية التي تُقارب كل مفهوم ضمن سياقه الإشكالي وفي نفس الوقت خلق جسور بينه وبين المفهوم الأخر ضمن نفس المجزوءة؟