الهوية العمياء وفكر الاختلاف.
يشكل مفهوم المنظور القاسم المشترك بين كل أعمار الإنسان، في نظرتم لذاتهم وللآخر وللعالم الطبيعي وأخيرا للعالم الميتافيزيقي المتعالي على الإدراك الحسي.يتحدد المنظور من خلال تمثل الذات للموضوعات وفق مرجعيات متعددة ومركبة، تمثّل يسعى إلى فهم أو تفسير زاوية معينة من موضوع التفكير، وقد يكون التمثل قصديا وواعيا ، كما في العِلم، وقد يكون التمثل لاواعيا كما في الإيديولوجيا.السؤال هل هذا المنظور يعكس حقيقة موضوعه أم هو تأويل ورغبة لاواعية لما تطمح الذات أن تحققه وكما تتصوره على أنه الحقيقة.ولكن هل المنظور يعكس مطابقة حكمي على الأشياء كما هي في واقعيتها المعطاة، أم المنظور هو تطابق ما أراه مع تمثلي أنا للأشياء؟ وهل هذا التمثل بالضرورة يقتضي القصدية أم تتدخل رغبات لاشعورية في تحديد مسار ورهان المنظور، أم يتشكل المنظور منهما معا؟ لماذا ما يراه شخص لا يراه غيره بالنسبة لنفس الموضوع؟إذن هل للعوامل السابقة دور، وهل هناك عوامل أخرى؟وأخيرا بأي معنى يمتلك المنظور قيمة تجعله يحظى بالمصداقية بينما منظور آخر لا يحظى بنفس المصداقية لدى البعض؟ هل يُمكن تفسير هذا التعدد، أي تعدد المنظورات لنفس الشيئ إلى الاختلاف في المنظور؟ وما هو الاختلاف ومبرر وجوده؟ لا أقصد هنا بالاختلاف كما يفهمه الحس المشترك، بل أقصد فكر الاختلاف.لكي تتضح الصورة، نتساءل عن نقيض الاختلاف وطبيعة علاقته مع المنظور.هل هو الوحدة والتشابه والتكرار؟ومن تمة التطابق؟ هل بالفعل نفهم بعض الردود في المنتديات، إما من منطق الاختلاف أو منطق الوحدة؟ منطق التناقض ومنطق التشابه؟هل ما لا يتطابق معي ، ولا يدخل معي في وحدة وتشابه، إذن فهو خارج ما أعتبره حقيقة، وبالتالي لا أعترف بمنظوره المخالف لمنظوري، ويستحق مني النبذ والاستئصال؟ هل بالفعل منطق الوحدة والتطابق يفترض " أصلا " متعاليا على أساسه، ومن خلال الموقف منه يتم الحكم إيجابا وسلبا على منظور الأخر المتطابق أو المختلف؟ سنجد الكثير من المتنادين يبنون وجودهم من خلال منطق : عليك أن تفّكر مثلي والحالة هذه فأنت ملاك، وإن اختلفت معي فأنت شيطان.في هذه الحالة ، هل يُمكن الحديث عن " هوّية عمياء" لا ترى إلا ما تُريد أن تراه هي، وتُسقطه على الآخرين في أفق تجريدهم من ما يعتقده ليُفّر بنفس ما يُفكّر به غيره. هنا نفهم بعض التوصيفات : علماني/ إسلامي، ظلامي/ كافر...وهذا هو ما يؤسس ل" الاختلاف المتوحش"، وحين يحظر منظور الوعظ والإرشاد،ألا يؤسس هذا لمنطق التبعية والتقليد في إطار الوحدة، بينما حين يحلّ منظور الاختلاف يؤسس للتعدد والتنوع؟إذن هل بالفعل نحن أمام منظور يخلق المطابقة وآخر يخلق التعدد؟ وما قيمة كل واحد منهما؟وما تأثير ذلك على السلوك والمعاملات بين الناس؟و هل بالفعل إدعاء التطابق ينفي إمكانية الخطأ بدعوى وهم التطابق مع الأصل، وأن ما لا يتطابق فهو منبوذ.؟هذا هو المأزق الذي وقع فيه أفلاطون في حديثه عن الأصل والنسخة، ونجد هذا المأزق في كثير من مقالات الفايسبوك.
السؤال: هل كل منظور يؤسس لذاته في علاقته بأصله المرجعي أم هو مجرد إمكانية تطرح نفسها من بين العديد من الإمكانيات والاحتمالات؟ إذن قد لا أتطابق مع غيري فيما يعتقد أنه الحقيقة، ولكن هل من حق الذي أختلف معه أن يقصي المختلف برشقه بنعوت هي أقرب للسبّ والشتم بدل الحوار حول قضايا الفكر بعيدا عن تجريح الأشخاص، مع العلم أن هناك فرق بين الشيء ومعرفة هذا الشيء.إذن لو صدقت فكرة الوحدة والمطابقة، فهل يُمكن أن تكون النسخة هي ذاتها أصلها؟ هل نحن بالفعل أما " حلول صوفي" بلباس تكنواوجي ؟ أطرح سؤالا على مدى قدرة تقنية الفابسبوك في تحديد إشكالية : الهوية العمياء المؤسسة للاختلاف المتوحش، والهوية المُنفتحة على التاريخ والمؤسسة للتعدد واحترام الثقافات.هناك بالفعل حرب كلامية في فضاء الفايسبوك لا تراعي عند الطرفين المتعصّبين قواعد العيش المشترك، في أفق بناء عالم نعيش فيه معا.وهذا ما جعل الفيلسوف "جيل دولوز " يقول:" إن منظوري للعالم لا يمكن اعتباره إنسانيا، إلا إذا قُمتُ ببنائه مع الناس الآخرين." وقبله قال الفيلسوف الكندي:"..وينبغي لنا إقتناء الحق من أين أتى وإن أتى من الأجناس القاصية عنا، والأمم المباينة لنا، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق..فحسن بنا أن نلزم إحضار ما قاله القدماء (الفلاسفة اليونانيين) وتتميم ما لم يقولوا فيه قولا تاما على مجرى عادة اللسان وسنن الزمان."
المنظور: تعدد زوايا نفس الشيء.لكن قد يكون للمُخيلة والرغبات المكبوتة دور في توجيه المنظور.