تعجبني ان لم اقل تشدني حقا التحليلات التي لا تنساق وراء الرائجات التي يصنعها الاعلام او يلوكها العوام،وتساؤلاتك تنم عن رغبة في البحث عن حقيقة مايجري لمثقفينا ونخبنا ،وهنا ابوح لك بسر ظل يراودني منذ مدة لماذا ينقلب المثقف والسياسي راسا على عقب وتتغير افكاره- رغم ايماني الكبير بان دوام الحال من المحال-بمجرد ان يشعروا بدفء الحياة ولمجرد تغير طعم اكلهم وتغير رفقتهم ....سؤال يعود الى الوجود هل الفكر الذي نحمله معنا اينما حللنا وارتحلنا مرتبط -كما يرى ماركس -بوجودنا الاجتماعي وبشبكات علائقنا وحجم المؤثرات التي تدخل على الخط..
كنت ولازلت -وربما تعتبروني حالما اكثر من اللازم مؤمنا بان ما نحمله معنا من مبادئ ينبغي ان يؤسس عن قناعات بعيدة عن الهاجس المادي ،الاني الان اشعر اني اسبح وحدي ضد التيار وان الكل يرى عكس ما ارى ،ولربما اكون واهما ،هكذا انا اشك كما علمنا ديكارت، ولكني قذ اكون واهما فانتفض واتذكر دافييد هيوم وهو يتحدث عن اوهام العقل
اكيد ان الامر قد يبدو بعيدا عن كل هذه التفاهات-كما يعتبرها البعض- ولكني ارى ان الكل يمكنه ان يتقمص عدة ادوار ويغير مبادئه كما يغير جواربه النتنة ،لكني ما ضننت يوما ان متمرسا لفعل التفلسف قد يتيه كبقية العوام وراء ماديات او نزوات تسئ لجزءه الفوقي اكثر مما تحسن الى تركيبته المجردة
لست هنا لكي اعاتب الصايل اوغيره ولكني انطلقت من الفكرة التي رميتها يااستاذ كمال واردت ان اعممها على كل الفاعلين سواء في الحقل السياسي او النقابي او المدني او ....لقد راينا مثلا كيف ان ادريس لشكر بجلال قدره مثلا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كيف اراد التقاط الطعم وكيف انه ظن انه احسن صنعا في الوقت الذي جعل من النفاق السياسي مطية للوصول الى مبتغاه متناسيا ان مثل هذه السلوكات هي اعلان عن وفاة رمزية في المشهد السياسي هذا ان كان هناك ايمان بضرورة نقاء السريرة وبنبل الممارسة السياسية
الامر ايضا شهدناه عندما راينا كيف انزوى الجميع من المثقفين الى الوراء للتفرج على مشهد بدا يعلن ساديته على الملا .وكيف ان النظام في ظل تكريس ثقافة الفرجة احتفل بتنصيب الوزيرة ثريا جبران التي فاجاها الخبر غير المنتظر وكان البلاد خلت صحراؤها من مثقفين متمرسين على التنظير السياسي والفكري خصوصا وان الفترة كانت لا تزال تحضن ابناء هذه البلاد البررة الذين عاشوا للفكر وماتوا نزهاء يحتفل بهم في متحف التاريخ كالمرحومين محمد عابد الجابري وعبد الكريم الخطيبي اضافة الى تواجد منظر من حجم عبد الله العروي وغيرهم كثير
ان يكون الصايل او غيره لا يهم لان القضية لا تطرح بطريق الشخصنة فالعبرة تكمن في ان من يسعى لان يكون شخصية عمومية لابد وان يتحلى بابسط ابجدياتها وهي ان تداوم على المبدا الذي من اجله صنعك الناس فنحن في الاول والاخير صناعة اجتماعية منمقة بابعاد سيكولوجية ولغوية لسنية ومكونات بيولوجية ...
لكل شخص الحرية في ان يفعل ما يريد لكن بدون احترام الارادة العامة للمجتمع-واقتبس هنا المفهوم من فلاسفة العقد الاجتماعي وخصوصا جون جاك روسو-لا يمكن لنا نحقق التعايش الذي نسعى الى ترسيخه كثقافة انسانية كونية تبتعد عن كل دوغمائية مجحفة وعن كل تغطرس عرقي او مذهبي
اسف استاذ كما لاني حورت الفكرة التي اردتها عنوانا لمساهمتك ولكن بحثنا عن سيادة قيم فكرية انسانية يمكنه ان يكون باعثننا ان كنا قد اختلفنا
طابت ليلتك .ودمت مكا عهدتك محبا للحكمة .شكرا