وأنا أتابع قناة الجزيرة، شاهدت إعلانا لبرنامج " أسلحة في أيدى ناعمة "، وهم يُصورون امرأة تحمل سلاحا وترتدي زيا عسكريا. لقد استفزني العنوان وأيقظ في العديد من الأسئلة المتعلقة بالمرأة كإنسان وليس كامرأة حسب المقياس الذكوري، نعم إمرأة ولكن ليس بمعايير قناة الجزيرة التي تنهل من بين ما تنهل من ، بعض مرجعيات الإسلام الوهابي بقناع لبيرالي.
ذكرني هذا العنوان بالسجال الدائر حول الأدب النسائي.وهل يمكن تخصيص النساء بنوع من الأدب والرجال بأدب غير أدب النساء؟ السؤال هل المشكلة في الجنس الأدبي ككتابة لها قواعدها بغض النظر عن كون الكاتب رجل أو إمرأة؟ لمذا هذا الإمعان حتى التجربة الإبداعية؟ ومن قبل من ؟ من قبل من يزعمون لأنفسهم كونهم نخبة مثقفة.تصوروا معي لو انتقل السجال إلى فضاء الفلسفة - هو بالفعل موجود، ولكن مسكوت عنه-ولنفترض أن فيلسوفة هي التي أفرزها عصرها مكان ديكارت، هل ستطبع الفلسفة العقلانية بوهج الأنوثة ؟ وكيف سيكون ردّ الفلاسفة الذكور الذين هم أنفسهم وكثير منهم حقد على المرأة أو أن منظوره للمرأة هو نفس منظور الفرد العامي، وياللمفارق؟!!!!. كثيرا من التلاميذ يُحرجوننا بأسئلة من قبيل: لماذا لم توجد نبيات، لماذا لاتوجد فيلسوفات ؟ والللائحة طويلة قياسا على ما يُمارسه الرجل ويحرم على المرأة ممارسته.
المشكلة عندي تكمن في توازي الخطاب التحرري للمرأة مع الخطاب الذكور الذي يرسم حدود وجود المرأة ضمن كونها إنسان من الدرجة الثانية.نبدأ من الأفلام والصحافة والمدرسة.....كل معاقل الوجود تظهر فيه المرأة من الدرجة الثانية..ولما فتحتُ نقاشا حول إعلان الجزيرة مع أصدقائي، بادر أحدهم بالقول: ناري إيلا شدوها الأخرين غادي.....
أي سيغتصبونها بطريقة" بالتويزة ". طرحت على نفس سؤالا: لماذا في لاوعي الكثير تُختزل المرأة في جسد لا يصلح إلا للمارسة الجنسية؟ ولنفرض هذا الأمر قائم- البعد الجنسي لجسد المرأة-فهل هو كل كيان هذا الذي نسميه شخصا، باعتباره مقولة قانونية وأخلاقية، أم أن هذا التعريف هو على الورق فقط.؟
لايمكن أن تتحرر المرأة من هذا الوضع الشاذ ونحن نشاهد يوميا في جميع المجالات ما يشدّنا إلى تشييئ المرأة والتركيز على دونيتها.وتذكرتُ هنل قولة المفكرة اللبنانية " يمنى العيد " : ليست مشكلة المرأة في الرجل كرجل ، بل مشكلتها في العلاقات الاجتماعية التي يدافع عنها الرجل وتدافع عنها المرأة ( وهذه مفارقة مقبولة مع سيادة الأمية)؟ بل حتى " المناضلات في ميدان تحرير المرأة يقمن بممارسات لا تُشجّع على إقناع عامة الناس برهان خطاباتهن وهن فائحات برائحة الويسكي ومكياج باذخ ،في ندوة بفندق خمس نجوم..كل هذا يصبّ في انتصار الأصولي المتعصب الذي ينشرح صدره بكل ما يخدم دونية المرأة.
سأنتظر مشاهدة شريط" أسلحة في أيدي ناعمة" لنتابع الحديث.مع أن كلمة ناعمة توحي ببعدها الجنسي على أن المرأة في الميدان لن تكون كالجنس الخشن الذي يمثله الرجال.أنا مقتنع أن قضية المرأة لن تراوح مكانها ، وأن عقليتنا المُنتجة لهذا التمييز لن تتغير ما دامت مبررات إنتاجها تتأبّد في العلاقات الاجتماعية. ألم تقل سيمون دي بوفوار بكل أسى ؟: لا تولد المرأة امرأة بل المحتمع هو الذي يجعل منها كذلك." وحتى لا يغيب عنا أن المرأة المقصودة هنا ليست المرأة حسب جنسها المقابل اللذكر، بل المرأة كواقع اجتماعي علينا التخلص منه ببناء واقع اجتماعي نكون فيه جميعا سواسية. فهل هذا ممكن أم حلم تحرر المرأة مجرد وهم لأن الأقدار حكمت وانتهى الأمر. يا لطيف.