بمناسبة الدرس التطبيقي ليومه الإثنين 11 مارس 2013، والمتعلق بأجرأة الإضاءة التاريخية والمعرفية في الدرس الفلسفي...أقترح التفكير في مدى وظيفية نص ميشال فوكو في علاقته بإشكال المحور المتعلق بطبيعة السلطة السياسية.
أعتقد أن اختيار نص فوكو للتحليل ضمن إشكال طبيعة السلطة السياسية لم يكن مُوفّقا للسبب التالي: وهو أن إشكال طبيعة السلطة كما قاربها مثلا ماكيافيلي أو ابن خلدون أو إسبينوزا وهيجل وحتى كانط ، ليس هو نفس إشكال مفهوم السلطة عند مبشال فوكو، مما يعني هنا إمكانية الخلط بين إشكاليتين لحظة الزجّ بهما من خلال تضايفهما لمجرد التشابه في المفهوم : السلطة.
لقد تعاقدنا مع التلميذ على أننا بصدد مفهوم السلطة السياسية للدولة حصريا، بينما إشكالية فوكو للسلطة تتجاوز الدولة وأجهزتها، بحجة أنه يٌقارب مفهوم السلطة من منظور آخر غير الذي يطرحه إشكال المحور : طبيعة السلطة السياسية.الأمر الذي سيضطرّنا إلى تبرير الانتقال البيداغوجي من إشكالية السلطة الخاصة بالدولة إلى مفهوم السلطة باعتبارها علاقات قوى منتشرة وموزعة على الجسد الاجتماعي كله، وبالتالي ففوكو ينفي أن تكون السلطة معادلة للدولة، من منطلق أن ليس للسلطة مركز واحد تصدر عنه من قبيل مؤسسات الدولة، ومن ثمة السلطة حاضرة في كل مكان...السؤال، هل إشكالية فوكو حول السلطة وظيفية في مفهوم الدولة، مع العلم أن العبارة : طبيعة السلطة السياسية، تتعلق حصريا بجهاز الدولة، وبالتالي إقحام إشكالية فوكو للسلطة غير ذي معنى، بحجة أن مفهوم السلطة عند فوكو أعقد وأشمل من مفهوم السلطة الممارسة من قبل جهاز الدولة.وبالتالي انفتاح فوكو على العديد من أنماط السلطة، انطلاقا من تعريف " نيتشه" للمجتمع الذي تُمارس فيه السلطة، باعتباره " كميّات من القوة في حالة توتر"، هذا التوتر أفقي وليس عمودي، بمعنى أن مراكزه متعددة، بينما السلطة العمودية ذات مركز واحد..من هنا نفهم مفهوم " الحربية " عند فوكو، ونفهم تعدد السلطات المنتشرة فوق الجسد الاجتماعي، فالسلطة محايثة في الجسم الاجتماعي...لهذه الأسباب، سنُرهق التلميذ بعد الانزياح من سلطة الدولة، إلى سلطة متعددة المواقع، بل لا مواقع لها كما يقول جيل دولوز.
لو كان الإشكال يتعلق بمفهوم السلطة، في هذه الحالة من الضروري الانفتاح على مقاربة مبشال فوكو، ولكن مادام الإشكال متعلق بسلطة الدولة،يبدو لي أن موقف فوكو غير وظيفي، حتى ولو أدرجناه في إطار أن السلطة لم تعد مقتصرة على جهاز الدولة وحدها، وأن السلطة أصبحت استراتيجية...وتتعالق مع المعرفة والخطاب والذات والجسد والجنس..بينما نحن في محور : طبيعة السلطة السياسية، نُسلّط الضوء على مفاهيم : الدستور، والحكومة،..بينما فوكو يرفض أن تكون السلطة قرينة فقط بمفهوم الدولة، لأعيد السؤال، كيف نبرر لتلامذتنا الانزياح نحو إشكالية فوكو للسلطة في مفهوم الدولة؟
ومن أجمل لحظات الدرس التطبيقي، وهو رد فعل الأستاذة إيمان صاحبة الدرس، على مَنْ اتهمها بأنها : لم تستطع....لم تستطع...لم تستطع...فكان جوابها بمثابة انتفاضة فلسفية بعبق الأنوثة المُقاومة لجبروت الذكورة،قالت: لو كنتُ عديمة الاستطاعة لما قبلتُ بإنجاز درس تطبيقي، في الوقت الذي رفض فيه الأساتذة الذكور إنجاز درس تطبيقي. فما كان من المدرسين الذكور سوى التصفيق احتراما وتقديرا لهذه الأستاذة الوحيدة ضمن أكثر من عشؤين مدرسا ذكرا. وبالفعل أنجزت الأستاذة درسا تطبيقيا ناجحا،إذ مكننا من التدوال في قضايا جد مهمة!!!