عادة ماتكون الغرابة مؤسسة لفعل الاندهاش، لينطق السؤال في رحلة البحث عن الحقيقة،وتلك هي رغبة المسكون بمحبة الحكمة والمُضي في الطريق.بيد أن البحث عن الحقيقة قد يتحوّل إلى كابوس قاتل، بدل لذّة الاستكشاف، وذلك لحظة اكتشاف أن سلوك بعض أصدقائك هو أشبه بطعنة الغذر، عندها تتحوّل الغرابة إلى كابوس من المعاناة المريرة والصادمة بدل لذة البحث من خلال استكشاف المجهول بحثا فيه عن معلوم يُطفئ بعضا من نار الاندهاش ـ لتتعطّل مع الغذر القدرة على الفهم والتفسير: كيف يُعقل أن تُقابل بالانتقام وسوء التقدير مِمّن أحسنتَ إليهم، وقدّمتَ لهم كل ما من شأنه أن يعبروا به الطريق نحو ضفّة الأمن المعرفي والبيداغوجي في الحياة اليومية؟ لماذا يُقابلونك بقناع وفي غيابك يظهرون على حقيقتهم؟ كيف يُعقل أن تتحوّل ممارساتهم إلى حقل للجلد والنميمة والاستقواء والتقوّل في الأقرباء في خلسة الظلام،وفي غياب الضحية التي لم تبخل يوما في إمداد القاتل الرمزي ببعض مُقومات الوجود والانوجاد بكل تجلياته الإنسانية والبراجماتية؟أقسمتُ منذ أزيد من عقد من الزمن على التنحية الطوعية من المجال العمومي طلبا للسكينة النفسية والعقلية، غير أن ضرورة العيش المشترك تُلزم بعضنا على تجرّع مرارة الغذر ونكران الجميل والتعرض لعمليات إغتصاب معنوي قاس.لم أستطع استيعاب مقولة "إتق شرّ من أحسنتَ إليه."لقد صدق بديع الزمان الهمذاني حين قال:
هَذا الزَّمَانُ مَشُـومُ *** كَمَا تَراهُ غَشُـومُ
الحُمْقُ فِيهِ مَـلِـيحٌ *** والعقْلُ عَيْبٌ وَلُوم