على هامش برنامج ملف للنقاش مع السيد حميد شباط بالقناة " ميدي 1 تيفي"، أُثيرت قضية كون نجاح السيد حميد شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال، راجع إلى العلبة السوداء التي تُدير خيوط اللعبة
السياسية بالمغرب. وقد رفض كل من المُحلّلين السياسين !!! محمد ظريف وعبد الرحيم منار السليمي هذا الافتراض الذي يُعزى لفكرة " المؤامرة " التي يُروّجها البعض، واعتبرا مثل هذا الافتراض تبخيس للظروف الموضوعية للحياة السياسية المغربية، وكأن الفاعلين السياسيين مجرّد كراكيز لا غير، بحجة أن هناك معطيات سوسيولوجية و تحوّلات فكرية حقيقية ساهمت في كثير من التحولات على أرض الواقع...نفس القناعة تتوفر لدى رئيس الحكومة الذي قال في مؤتمر طنجة : "زمن التحكم انتهى إلى غير رجعة، ولا مجال الآن كي يُطلب من وزير، كما حدث في الماضي، أن يحضر بَاكِيَّة دْيَالْ الْكَارُّو "...لكن من المحتمل أيضا وبنفس قدر رفض فكرة المؤامرة، أن المدافعين عن المؤامرة ورسم الخرائط السياسية - بطريقة أو بأخرى- لهم أيضا نفس قناعات وجودها بنفس قناعات رافضيها....المسكوت عنه في رفض فكرة المؤامرة،أن إثبات وجودها يعني عدم مصداقية التحاليل الأكاديمية للمُحلّلين السياسيين، الذين سيفقدون مُبرّر وجودهم في برامج حوارية، أو من خلال كتاباتهم الأكاديمية أو الصحافية، بحجة أن الواقع " مغشوش" ولا يخضع لميكانيزمات موضوعية، وقوانين اقتصادية واجتماعية، وفعل سياسي مسؤول وشفاف...بشكل مُستقل عن إرادة الحاكمين الذين يرسمون الخرائط بعيدا عن مبرراتها الموضوعية.لنقرأ لمفكر من طينة "إدريس بنعلي " التالي:"يبدو أن عدم انتظار المعجزات يبقى الشيء الأكثر أهمية في الوقت الراهن، ليس لأن الحكومة المعينة تفتقر للإرادة، وإنما لكون تركيبتها والسياق الذي ولدت فيه لم يتركا سوى هامشا ضيقا للتفاؤل. فماذا نلاحظ؟ حكومة متعددة ألوانها تفتقر إلى برنامج منسجم وتضم «وزراء سيادة» من نوع جديد. وزراء معينون رغم أنهم ينتمون أو على الأقل كانوا ينتمون إلى مجموعات «مهزومة»، وأمين عام حكومة لا سلطة لرئيس الحكومة عليه، ويمكن أن يفرض الإيقاع الذي يريده بخصوص تنزيل الإصلاحات وتفعيل القوانين (لا تنسوا أن حكومة عبد الرحمن اليوسفي عانت الكثير من قبل من سلوكات هذا القطاع حين فرمل تعديل قوانين وحال دون تفعيل نصوص قانونية أخرى)، وأخيرا، فريق حكومي خرج إلى الوجود بفضل توافق لا يقوم على الحكم فقط، بل يتعدى ذلك إلى إرضاء رغبة السلطة في «مجموعة أفراد بأسنان طويلة وأفكار قصيرة.باختصار، إنه مشهد مكرر، فمن يراد خداعه؟
الشباب؟ لا ينتظر المعجزات، ولذلك يستمر في الاحتجاج، معلنا رفضه لنسق سياسي لا يلبي طموحاته.
الفئات المهمشة والمقصية؟ فقدت الثقة منذ زمن، وما عادت تنتظر الشيء الكثير من هذه الحكومة.
الخارج؟ الجواب واضح، ويتمثل في تصنيف المغرب ضمن قائمة الأنظمة السلطوية حين حل في المرتبة 119 في سلم الديمقراطية (حسب المعهد البريطاني).
وفي الأخير، نخلص إلى الاستنتاج ذاته، ومفاده أن المخزن يسعى من خلال هذه البنية الحكومية إلى احتواء التغيير وحصره في حدود تسمح له بالبقاء سيدا للعبة السياسية. وعلى أساس هذه السياسة، ستكون الدمقرطة التي نسعى إليها شكلية أكثر منها جوهرية. إذ يعمل المخزن من وراء هذه الواجهة الديمقراطية على تقوية حضوره في الشؤون العامة. بتعبير آخر، كيف يمكن تفسير مضاعفة عدد مستشاري الملك والمهام التي أنيطت بهم في مختلف ميادين الحياة العامة؟ لا يحتاج الفرد إلى خبرة في المناورة السياسية ليفهم أن السيناريو الذي يتم تفعيله في الوقت الراهن مماثل لما اصطلح على تسميته في وقت سابق بالتناوب التوافقي. واضح أن المخزن يعمل على ربح الوقت دون أن يحسن، بدون شك، تقدير التحولات التي يعرفها العالم في الوقت الراهن. عالم لم يعد يقبل مناورات من هذا القبيل، خصوصا أنه تم تجريبها وأثمرت نتائج يعرفها الجميع." إنتهى تحليل المفكر إدريس بنسعيد(جريدة المساء)
إذن نحن أمام تصورين، فأيّهما الأقرب للواقع؟
سنة الاختلاف في الرؤى. ولكن بأيّ مبرّر؟