من سنيما الجمهور إلى سنيما المهرجان.
لم يستحِ الجسم السنيمائي، من مخرجين وممثلين ومسؤولين عن المركز السنيمائي من تهريب المنتوج السينمائي إلى فضاء المهرجانات بعد غلق مُعظم القاعات السينمائية بجهات المملكة وتحويل أراضيها إلى عمارات أو فنادق... ولا أحد طرح السؤال المسكوت عنه: وماذا بعد المهرجان وبهرجاته وبروتكولاته الفارغة سوى هدر المال العام تحت وهم إن لم نقل كِذبة تنمية الصناعة السنيمائية!!!! هل يُعقل أن تكون السنيما في المغرب مقصورة على المهرجانات وبعض القاعات المحدودة، لتعرف طريقها إلى مزبلة النسيان؟ والمُبكي حقا حقا، كون بعض النقاد السنيمائيين يكذبون على أنفسهم أولا بقولهم إن السنيما المغربية عرفت قوّة دفع لم يسبق لها مثيل. نسأل هؤلاء: هل يُمكن الحديث عن صناعة سنيمائية بدون جمهور؟ لماذا الحفاظ على صناعة سنيمائية في غياب ثقافة سنيمائية لدى الجمهور المغربي؟أين هي الأندية السنيمائية التي كان يقوم بتنشيطها المدرسون الأجانب قبل " سياسة المَغربة " التي أنتجت المثل الساخر"إذا عُرّبت خُرّبت"؟ وهو حال مستوى التلاميذ في اللغات الأجنبية مع سياسة التعريب الفاشلة؟لو كانت المهرجانات تُعقد بالتتابع في كلّ مدينة لقلنا على الأقل نحن بإزاء تقريب السنيما من المواطنين قياسا على تقريب الإدارة من المواطنين، ولكن مع الأسف، العقلية النخبوية / المهرجاناتية، قتلت الرغبة في حبّ السنيما كحق في الفُرجة، وليس امتيازا لبعض الساكنة دون غيرهم.
ومن المؤسف أن يغيب من برامج الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني المطالبة ببناء والحفاظ على القاعات السنيمائية باعتبارها فضاء للتربية على قيّم الجمال والفن، بل السنيما نافذة على باقي الحضارات والثقافات.أكيد أن قرصنة الأفلام من خلال الأقراص المضغوطة والتي تتم مشاهدتها عبر أجهزة التلفاز،إضافة إلى القنوات الفضائية التي تبث أفلاما، قد يُعوّض بشكل نسبي الحرمان من فُرجة القاعة السنيمائية.، لكن طقوس الذهاب إلى قاعة السنيما ومشاهدة الفيلم على شاشة كبيرة...أكثر فائدة وتذوقا من مشاهدتها عبر الشاشة الصغرى، فهناك تفاصيل فنية تغيب بالكامل بل تنعدم أحيانا على الشاشة الصغيرة مهما ارتقت إلى " هوم -سينيما"، لأن الدار الحقيقية للسنيما هي قاعة السنيما كما عهدناها. وكم افتقدناها وافتقدنا معها الكثير منا جماليات الرّفقة والفرجة الجماعية وشبّاك التذاكر، والمُضيفة التي ترشدك إلى المقعد،و" لانتراكت" حيث قعقعات " الزريعة"، والريد شوسي والبالكون...عالم بكامله من الفرجة والعادات الاجتماعية، ومختلف طقوس التفاعل مع أحداث الأفلام، من قبيل مختلف ردود الفعل للمتفرجين وردود الفعل على ردود الفعل، دون أن ننسى النقاش أو التحليل البعدي للفيلم.باختصار إنه عالم يطويه النسيان مع الأسف الشديد، في الوقت الذي تُعتبر فيه القاعات السنيمائية في الدول المتقدمة جزء من الموروث الثقافي إلى جانب كونها مؤسسة اقتصادية بامتياز.