تحية صادقة للجميع .
أتقدم بهذه المحاولة المتواضعة ، و التي أتمنى أن تخلق تفاعلا ما ، تجعلني أستفيد من مداخلات الزملاء .
من حق القارئ ، و كل من يريد المساهمة في إغناء هذه المحاولة ، أن يتساءل عن الخيط الرابط بين مكونات العنوان .
فمن المعروف عند "الجميع "، أن الآغورا ليست سوى تلك الساحة العمومية ، التي كانت تناقش فيها مختلف المواضيع و القضايا الثقافية و السياسية و الفلسفية ... التي تهم المواطن اليوناني في ذلك الوقت ، بكل حرية و ديموقراطية ، لكن ، أنى لتلك الساحة أن تتسع لكل مواطني المدينة / الدولة . من هنا فلا بأس ، فمن منظورنا الخاص ، "فالتيساع موجود فالخاطر" !
و إن المواطن اليوناني ، لا يشكل وجوده الفردي داخل الساحة العمومية كوجود عام ، إلا وجودا فرديا ، أو وجودا-هنا ، يتفاعل مع موجودات أخرى ، و يدخل معها في علاقات متباينة ، قد تساهم في تحقيق وجوده الأصيل ، أو تجعله يعيش الوجود الزائف . فمتى كان المواطن اليوناني ، في زمانه، يحقق وجوده الأصيل ، و متى كان يزج به في غياهب الوجود الزائف ؟
مما لا شك فيه ، أن المواطن اليوناني ، بوصفه وجودا-هنا ، كان يحقق وجوده الأصيل ، حينما كان يعرب و يعبر عن آرائه و تصوراته و أفكاره بكل حرية و ديموقراطية ، و حينما كان يرى أن بعض أفكاره تتجسد على مستوى تدبير المدينة/ الدولة ، أو على الأقل تتوافق مع ذلك التدبير، كما أنه كان يشعر بالضيق حينما كان يحس باغترابه عما يدور داخل واقعه ، داخل الساحة أو المدينة ، أي حين شعوره بأنه مجرد نسخة أو سيمولاكر ، مجرد كائن لا يرقى إلى مستوى الفعل و المشاركة .
هذا على مستوى الآغورا ، أما على مستوى جامع الفنا ، فهو بدوره يمثل ساحة عمومية ، أو فضاء
اجتماعيا و اقتصاديا ، يقدم للموجودات خدمات متنوعة و عديدة ، انطلاقا من الغذاء إلى التنقل ، إلى الفرجة و تحقيق المتعة بمختلف تجلياتها . و إن ابن البلد ، أو السائح ، الغير أو الغريب على نحو غريب ، كان بدوره يستفيد من كل تلك الخدمات ، و بإمكانه أن يحقق وجوده الأصيل ، عبر مشاركته مع الآخرين ، و تفاعله معهم ، سواء على مستوى التواصل اللغوي و معرفة الخصوصيات ، أو على مستوى الإفادة و الاستفادة ، و ذلك بتحطيم الجدار الرابع ، بل بتقديم فرجة تمتع الآخرين .
كما يمكن أن يعيش الوجود الزائف ، حين تقدم له وجبات مضى على وقتها زمن طويل ، أو فرجة ليست بالحقيقية من قبيل مظاهر الفولكلور .
و إني ألاحظ أن الحلقة ، باعتبارها وجودا خاصا يندرج ضمن الوجود العام الذي هو الساحة ، يمكن أن تشكل بدورها ومضوعا خصبا ، تتفاعل فيه كل مكونات الوجود ، من الوجود-هنا ، إلى الوجود-مع و الوجود من أجل ، و لن يكون الوجود الأول سو ى الحلايقي أو مقدم الفرجة ، و كذلك المتفرج ، كما أن الوجود الثاني ، تتفاعل فيه الموجودات المؤثثة لفضاء الحلقة ، في حين أن الوجود الثالث ، يؤطر العلاقات بين مقدم الفرجة ، و المستفيد منها ، بين من يرغب في الحصول على قوت يومه و يفجر إبداعاته ، و بين من يود في الترويح عن نفسه ، أو التخلص من رتابة الحياة ، أو من يريد معرفة بعض الخصوصيات الثقافية و الفنية ...
و إن المتفرج ، شأنه شأن المواطن اليوناني ، يمكن أن يعيش تجربة وجودية معيتة ، يحقق من خلالها وجوده الأصيل ، و ذلك حينما ينخرط في فضاء الحلقة ، محاولا فهم مجرياتها و مضامينها و الغاية منها ، لكن ، مع وعيه بأنه يوجد مع موجودات أخرى ، تتفاعل بدورها فيمابينها ، و بين مقدم الفرجة ، و عليه ألا يهيم كلية مع الفرجة ، و يتسى وجوده الخاص ، و الذي يمكن أن يهدد من طرف الغير المتواجد معه ، فبالإمكان ، أن يصبح عرضة لمجموعة من المعاملات تفقده وجوده الحقيقي ، و تدخله في تجربة أخرى يعيش فيها الوجود الزائف ، معاملات من قبيل الاستحواذ على بعض أو كل ما يملك ، أو جعله موضوعا لتحقيق و إشباع رغبات مكبوتة للغير المتواجد معه ، و الذي يوهمه بتفاعله مع مجريات الفرجة .
و لتفادي مثل هذه النقائص ، و للتمكن من إدراكها ، سواء في الاغورا أو جامع الفنا أو الحلقة ، يكفي التراجع و لو خطوة واحدة من قرص كل ما سبق ذكره ، مع البقاء في نفس الفضاء و في ظل نفس الوجود العام ، مع الآخرين ، و مع المتفرجين ، و ذلك بهدف تحقيق وجودنا الأصيل ، لأننا أصبحنا ندرك و نلاحظ و نعي الوجود الزائف للآخرين .
و انطلاقا من كل ما تقدم ، يتضح أنه لمعايشة الوجود الأصيل من طرف الوجود -هنا ، يكفي تحقيق تباعد نسبي ، بين الفينة و الأخرى ، و ذلك من أجل تحقيق الوجود بمعناه الحقيقي ,
فإلى أي حد ، لا تعتبر حياة الإنسان ، مجرد آن يعيشه ، سواء في الآغورا ،أو في جامع الفنا ، أو في إحدى حلقاته ؟