لا يمكن للإنسان الأكثر مهارة وفطنة ونشاطا أن يَرُدّ للإنسانية ولو جزءا صغـيرا مقابل مـا تلقّاهُ منها. يستمر الإنسان، كما كان في طفولته، يتغذى بالإنسانية، و يتلقى الحماية من الآخرين، و يطور قدراته داخلها (...) و ذلك كله بفـضل الإنسـانية عليه (...) لكن و بدل أن يتلقّى كل شيء منها بواسطة آبائـه، تنقل الإنسانية له خــيراتها عبر فَاعِلينَ متعددين غير مباشرين، لن يتعرف على الكثير منهم.
أن يحيا الإنسان من أجل الغـير، يعني إذن،أنّ عند كل واحـد منا، واجبا ضروريا ومستمرا ينبثق عن هذه الواقعة المتعذر تجاوزها وهي : أن يحيا الإنـسان بفــضل الغير. إنها، وبدون حماس عاطفي، النتيجة الضرورية المُستخـلَصَة من تقدير دقيق لمجريات الواقع المُدْرَك فلسفيا في مجموعه(...) علاوة على ذلك، يجب أن يـقوم انسجام أخلاقي، وبصــفة جوهرية، على الغيرية، فهي وحدها القادرة أن تزودنا بأعـظم زخم الحياة. إن الكائنات البشرية المنحطة، التي تطمح اليوم أن تحيى بفضل الغـير، يجب أن تتخلى عن أنانيتـها الهمجية، فإذا ما تذوقت هذه الكائنات، بما فيه الكفاية، ما تفضلت بتسميته ملذات الوفاء، سيفهمون آنذاك أن الحياة من أجـل الغير تمنح الوسيلة الوحيدة لتطوير كل الوجود البشري بحرية(...)
وحدها دوافع التعاطف الإنسانية تصنع الانطلاقة الحقيقة الثابتة لحياة من أجل الغير، حياة يجد فيها كل واحد من أفراد المجتمع مساعدة من طرف الآخرين، لكن و مقابل هذه المساعدة، يقوم هؤلاء بكبح ميولات الفرد الشخصية و الأنانية.
أغستكونت، مواعظ وضعية، الحوار التاسع
Auguste Comte, Catéchisme positivite