لحظات لها علاقة بهوية مدرس مادة الفلسفة.هل ما تسمح به البيداغوجيا يمنعه القانون والأخلاق والدين..
( سأقدم لكم جزء من ممارستي للتفلسف والتي من شأنها أن تُنير بعضا من مؤشرات هوية مدرس الفلسفلة من قلب وظيفته داخل المؤسسة
)
في اعتقادي، لا يُمكن الفصل بين الممارسة البيداغوجية والديداكتيكية، وبين هوية مدرس مادة الفلسفة في مقاربته لأشكالات الدرس الفلسفي، أشكلة ومفهمة وحجاجا.صحيح أن شرط هويته مقرون بماهية الفلسفة كما تجلّت عبر تاريخها، وإن اختلف الفلاسفة في طبيعتها باختلاف الفلسفات ذاتها.
سأقدم ثلاث تجارب بيداغوجية تُشكّل في نظري جزء من هوية مدرس ومُدرّسة مادة الفلسفة :1- التجربة الأولى تتعلق بتجسيد مفهوم الحقيقة من خلال الاشتغال على صورة للرسام العالمي "MAGRITTE RENé
Ceci n’est pas une pipe2-التجربة الثانية تتعلق بتحليل مفهوم المرحلة القضيبية لدى مدرسة التحليل النفسي ومستتبعاتها الفلسفية في المقرر الفلسفي السابق.
3- التجربة الثالثة تتعلّق بإحراجات تحليل وتقييم نص سيرج موسكوفيسي حول طبيعة الإنسان، في المقرر الدراسي لسنوات بداية التسعينات.
في اعتقادي، من خلال هذه النماذج ، وغيرها كثير، يمكن تلمّس بعضا من مؤشرات " هوية " مدرس ومدرّسة مادة الفلسفة،مع إمكانية إقتراح "إصلاح" بيداغوجي يُراعي الأمانة في المُقاربة الفلسفية لمُجمل الإشكالات الفلسفية بعيدا عن أيّ تأثيرات خارجية ( عقائدية أو سياسية أو أخلاقية والتي تُشكّل مرجعيات لهوية مدرسي الفلسفة في الفضاء العمومي).
من بين الإحراجات البيداغوجية والديداكتيكية التي أصادفها في مفهوم الحقيقة، إشكالية مفهوم المطابقة. ومن بين الإجراءات الديداكتيكية التي أنهجها توظيف مجموعة من الصور الدالة بغاية فتح آفاق للنقاش الفلسفي، مع رغبتي في تشجيع التلاميذ والتلميذات على التقدم في التحليل والنقاش عبر دروب مختلفة ومتشابكة كما سنرى. أعرض على التلاميذ صورة للفنان " روني ماغريت"عبارة عن غليون كتب تحته عبارة " هذا ليس غليونا "Ceci n’est pas une pipe
أسأل التلاميذ : ما دلالة السؤال؟ بالفعل ما في الصورة ليس غليونا بل هو صورة لغليون.السؤال ما الغليون ؟ ولماذا صورة الغليون لا تتطابق مع الغليون الواقعي؟ للإجابة على هذه الأسئلة يُفترض إحضار غليون حقيقي إلى الفصل، بل أكثر من ذلك، وإحضار كل معدّاته، ثم القيام بكل العمليات التي تُعطي للغليون حقيقته كوسيلة للتدخين وهذا ما لن تحققه صورة الغليون..وفي النهاية القيام بعملية التدخين ومن ثمة إثبات أن الذي في الصورة ليس غليونا بل هو نسخة مصورة للغليون الحقيقي ومُعداته كما في المكوّنات التي أعرضها أمام بصر التلاميذ والتلميذات. ساد في أجواج القسم دخان ورائحة التبغ..عندها فهم التلاميذ دلالة الفرق بين الغليون في الصورة والغليون الحقيقي والواقعي والماثل أمامهم. أطلب من بعض التلاميذ استعمال حاسة لمس الغليون بعد تحقق حاستى البصر والشمّ..لنطلق العنان لعملية التفكير والتحليل والنقد. هل كان من الضروري القيام بهذه العملية؟ [/right]
[/center]
من بين المحطات الأساسية لنظرية التطور الجنسي عند الطفل هي المرحلة " القضيبية" ومن مستتبعاتها النظرية والاجتماعية " الدونية الطبيعية " للمرأة، فقط لأنها ستكتشف أن ليس لها " قضيبا" كأخيها ، وتعتقد أن سبب اهتمام الأسرة بتحجيب جسدها هو غياب الفضيب مقارنة من أخيها الذكر الذي لا تتحرّج الأسرة من الكشف عن قضيبه مقارنة مع " فرج" شقيقته
هذه المفارقة تتطلب جرأة من مدرس الفلسفة لحظة الكشف عن النتائج الفلسفية والاجتماعية للمرحلة القضيبية المُفترضة، وكنتُ أوظف صورتين. الأولى لإبراز واقعة التعرف الجنسي بين الذكر وأخته الأنثى، مع افتراض مختلف التأويلات حول قضية حضور القضيب وغيابه .
وفي معرض تقييم أطروحة فرويد حول طبيعة الإنسان، ومدى تركيزه على ما هو جنسي كعامل أساسي في بناء شخصية الذكر والأنثى، كنتُ قد أعدتُ رسم صورة مشهورة تتهكم على المنظور الجنسي لفرويد في فهمه الإختلاف بين المرأة والرجل ، ووضع المرأة مقارنة مع الذكر.بحيث يظهر فرويد أنه لا يرى العالم الخارجي إلا من فرج المرأة ككناية على تفسيره الجنسي لمسارات الإنسان الوجودية.
[center]
[right]
لقد جلبتْ عليّ هذه الصورة بالخصوص عاصفة من ردود الأفعال التي مسّت هويتي كمدرس لمادة الفلسفة، لديه القناعة بمساعدة تلامذته على الفهم والقدرة على التفكير من خلال عُدد ديداكتيكية لا تخرج عن الروح الفلسفة في مقاربة مختلف الإشكالات، وما حزّ في نفسي أن بعضا من أصدقائي في نفس الثانوية استهجنوا الطريقة وانضموا لقافلة التخوين وإفساد عقول الشباب واتهمتُ بالبحث عن الإثارة وخلق البلبلة....! ولكني كنتُ مُصمّما على احترام هوية مدرس الفلسفة بأن أقول الحقيقة كل الحقيقة حتى ولو أضرت بي وبغيري.والأيام كفيلة بإنصاف هذا الموقف الكانطي من قول الحقيقة كواجب مقدس.وكثير من تلامذتي سيكتشفون بعد بضع سنوات أهمية الدور الاجتماعي للفلسفة من خلال استحضار الحياة اليومية إلى رحاب الفلسفة أو انفتاح الفلسفة على اليومي، لافرق،وهذا موضوع آخر سأنشر بصدده طريقتي في نقل الفلسفة إلى الفضاء العمومي من خلال استحضاره في " الموائد المستديرة" داخل الفصل الدراسي ومواضيعها الحارقة، وهي الأخرى تكشف عن هوية مدرس الفلسف.أستحضر هنا إحدى خلفيات تدريس الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفراي الذي يقول :" يمكن التفلسف بالطريقة المِخْملية الهادئة من دون وضع العالم قيد رهان المساءلة، ولكن يمكن توظيف التفلسف بطريقة التفجير النتشوي.. تهتم الفلسفة بالمساءلة الفلسفية للعالم الواقعي انطلاقا من أسئلة جد معاصرة: قضية تعميم العبودية من قبل المجتمع الرأسمالي، الحدود الجديدة للحرية التي ترسمها الشبكة العنكبوتية،إمكانية الإنتاج الجيني( للوحوش، المسوخ)، الحقد المعمّم بواسطة الفن المعاصر، الشغف الهوى، كذب السياسيين، المحرّمات المتعلقة بالدينات التوحيدية، الانتهازية العالمية..." Antimanuel de philosophie."وقد نُظيف موضوعات أخرى تهم العالم الثالث إضافة إلى انخراطه في كونية مزعومة هي بدورها تحتاج إلى مساءلة في علاقتها بالخصوصي.. بالضبط هذه الخاصية الديناميتية للفعل الفلسفي هي التي يجب أن تكون أحد مكوّنات هويّة مدرسي ومدرسات مادة الفلسفة، بالرغم من كثير من مُعيقات " الفلسفة المدرسية" لكن للمدرسين كثير من الهوامش تسمح لهم بالاجتهاد والإخلاص لروح الفلسفة. قد تبدو الأمثلة التي اخترتها والصور المرافقة لها، كوسائل إيضاح، صادمة، لكن مقامها ووظيفتها بيداغوجية وديداكتيكية لإنارة ضرب التفلسف.أما من يختار الإملاء مع اقتصاد في التفسير بحجة طول المقرر وإكراهات الامتحان الوطني، فهذا إشكال يجب البث فيه، ليس فقط لمناقضته روح المنهاج ذاته، بل هو في الحقيقة تبخيس للفكر الفلسفي من خلال تسليعه وتصديره عبر بوابة الامتحان الوطني كمنتوج ، وفي هذه الحالة يُمكن لأيّ كان أن يدرّس الفلسفة إذا كانت تختزل في الإملاء لما هو جاهز والسوق الفلسقية التجارية تزخر بكل أنواع البضائع الفلسفية الجاهزة والمنمّطة. في هذه الحالة المأساوية عن أية هوية نتحدث ؟
رجاء يحب أن يوازي الحديث عن هوية مدرس ومدرسة الفلسفة من حيث التنظير، الانفتاح على جانب آخر لهوية مدرسي الفلسفة من خلال بعض مغامراتهم مع الدرس الفلسفي.
أتأسف على تقاعدي، ولم يعد لي ربما صفة الحديث عن درس الفلسفة في علاقته بهوية مدرس الفلسفة لأن البحث عنها يتم من خلال الفصل، لأن الموضوع متعلق بمدرس، وليس بمواطن في الفضاء العمومي، حتى ولو كان المدرس أو المُدرسة في الفضاء العمومي قد ينتمون إلى مرجعيات سياسية وعقائدية تُعادي الفلسفة، وهذا إشكال يُمكن التداول فيه بحسب تفاعل الأصدقاء، أقول يبقى البحث عن هوية مدرس الفلسفة من داخل طريقة تدبيره للدرس الفلسفي فكرا وسلوكا.أما كون هذا المدرس أو ذاك باحثا أو مشروع فيلسوف...فهذا إشكال آخر، ومن بين تجلياته ومفارقاته ، الخلط بين التدريس وهو موضوع الهوية، وبين مختلف انشغالات مدرس الفلسفة خارج أسور المؤسسة وهذ إشكال آخر يمكن التداول فيه، ومن تجلياته الإشكالاتية كما قلنا سابقا، هل نريد من الفعل الفلسفي المدرسي أن يرقى إلى " عقيدة دنيوية" من خلالها نحاكم هوية مدرس ومدرس الفلسفة، بمعنى هل يحمل مدرس الفلسفة معه الروح الفلسفية إلى الفضاء العمومي وهو يمارس " مُواطنيته " داخل المجتمع الذي يخضع بدوره لإكراهات مُضافة إلى إكراهات المؤسسة؟ هذا موضوع له علاقة بهوية مدرس ومدرسة الفلسفة. فكثير من الناس يُطابقون بين مدرس الفلسفة وبين ضرورة تصرفه ( العقلاني النقدي...) حتى في ممارساته داخل الفضاء العمومي، وللحديث بقية .
[/right]
[/center]