في البحث عن شروط إنتاج القول الفلسفي عربيا.
أتساءل، هل هناك بالفعل لغة فلسفية أم يتعلق الأمر بالاشتغال الفلسفي على وبواسطة اللغة الطبيعية؟ بمعنى هل بناء المنطق الاصطلاحي غاية في ذاته ،به ومن خلاله يتأسس القول الفلسفي أم التشكيل الاصطلاحي نتيجة لعملية تفكير عقلي هو منشأ البناء الاصطلاحي وليس العكس. فدرجة ورقي التفكير من خلال إعمال العقل في الموضوعات هي التي تنظم التعبير اللغوي الذي يتساوق في دلالته مع عمق التفكير وعتبات دلالاته وقصدياته الفكرية. فالبناء متعلق بطبيعة درجة تعقّد الفكر أو بساطته. باختصار إنها إشكالية اللفظ والمعنى وهنا نستسمح التحفظ على الجاحظ في مقولته الشهيرة : المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها الأعجمي والعربي والقروي والبدوي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتحبير اللفظ وسهولته وسهولة المخرج، وفي صحة الطبع وجودة السبك، فإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير"...وهنا أفضّل أطروحة الجرجاني التي تقول بأن اللفظ في خدمة المعنى، بحجة أن الألفاظ لا تدلّ بذاتها.
إن الشكوى من عجز اللسان العربي على القول الفلسفي، مردّه إلى انتفاء الحاجة إلى التفلسف وإعمال العقل الذي استقال بسبب عوامل موضوعية وأخرى ذاتية، والسؤال،أولا، كيف السبيل إلى الاستقلال الفلسفي ؟ وثانيا ما هي عوامل بدء مغامرة الإبداع الفلسفي؟ هل يتعلق الأمر بتجريب النقد المزدوج في أفق إفساح المجال للعقل في التفكير والإبداع؟ أيّ الموضوعات الراهنة التي من شأنها يستطيع من خلالها العقل التكلّم فلسفيا أولا؟ لا فلسفة بدون مفارقات تكون مدخلا لإثارة الإشكاليات، ومن ثمة تحمّل مسؤولية التفكير فلسفيا بالنسبة للذين لهم الرغبة والشروط الموضوعية في إنتاج القول الفلسفي؟ والحالة هذه كيف نفسّر هذه الفراغات بين الواقع والنظرية في أفقها الفلسفي؟ واقع زاخر بكل أنواع المفارقات المُحفّزة للتفكير فلسفيا كما هو الشأن في مَن فكّر سياسيا وشعريا وفنيّا...؟ ولكن ، وعلى افتراض،لو وُجد مَن يُبدع قولا فلسفيا، في ظل منظومتنا التعليمية، وضمور واقعنا الثقافي، مؤسسيا وفكريا،وأزمة القراءة....سيُجابه هذا المبدع بما واجه به الأعرابي صناعة النحويين بقوله:" إنكم تتكلمون في كلامنا بكلام ليس من كلامنا."