*- نقطة نظام:المثقف وممارسة السياسةباللامباشر!!!!
ما الذي أقنع ميشال فوكو في تصدّر مظاهرة للمهاجرين العرب بفرنسا تطالب بالحق في التجمّع وحرية التعبير؟ لقد خرج مع المهاجرين،وفعل مثلها جان بول سارتر مع انتفاضة الشباب: ماي 1968، وتشومسكي،ودريدا، وقبلهم راسل...نطرح السؤال على عبد الله العروي وعبد السلام بنعبد العالي وسالم يفوت وإدريس بنسعيد، وعبد الفتاح كليطو، ومحمد مفتاح،و..و..و..و..و...الذين لم يخرجون مع بني جلدتهم في تدفّقات الربيع العربي المغربي نحو الحرية والكرامة؟ إذا لم يخف علي فزرات على أصابعه من الكسر، وهي التي تخطّ ذهبا بعبق المعاناة، فعلى أيّ شيئ هم خائفون وممّن هم خائفون؟ لا ننكر كتاباتهم وندواتهم ومقالاتهم وحواراتهم، ولكن هل تواجدهم الرمزي في الميدان تنقيص من قدرهم؟ أو أنهم لم يؤمنوا بعدُ بمصداقية وشرعية الحراك الاجتماعي، وبالتالي لا يعدو أن يكون الأمر مجرّد ثورة في فنجان، أو كما قال حسني مبارك في حق الشباب المصري:أتركوهم يتسلّون بشعاراتهم؟ إذن هل مشكلة الحراك تكمن في تهافت المبدأ نفسه ومن ثمة مقاصده،أم المشكلة في " الفاعلين الميدانيين"، بمعنى أن مصدر الإحراج قد يكون متعلق بضبابية المشروع السياسي للفاعلين في الميدان،أو هو متعلق بفاعلين معروفون بتطرفهم يسارا ويمينا وبينهما لامنتمون وآخرون تمّ نعتهم بأحقر النعوت الشادة؟ هل تكفي الإطلالة على ما يجري من وراء ستار " الحياد الإيجابي للمثقف"؟ أم يقتضي الأمر خطوة ولو رمزية كما فعل المثقفون في تونس ومصر ...؟ هل التمييز بين السياسة والسياسي، وهذا هو حجتهم في تبرير وقف تنفيذ الفعل في الميدان،باعتبار، كما يُبرّر الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي مُستندا على فهم رولان بارط للسياسة والسياسي، يقول:"إن السياسي مستوى أساسي من مستويات كل تشكيلة اجتماعية، وهو قوام التاريخ والفكر،إن السياسي هو البعد الأساسي للواقع،أما السياسة فهي اللحظة التي يتحول فيها السياسي إلى خطاب مكرور ولغة رتيبة،ويرى بارث أن المثقف العصري، إن كان لا يتنكّر للسياسي،فلإن علاقته بالسياسة غالبا ما تنتهي نهاية غير سعيدة...ذلك أن المثقف يجد نفسه، عند ممارسة السياسة، في موقف غير مريح...
لكن الأستاذ بنعبد العالي، يعترف بإمكانية إنعاش السياسة بخدمته للسياسي. ويرى من خلال كثير من المتقفين العرب المعاصرين، أنه تبيّن لهم أن ممارسة السياسة غالبا ما تُجمّد الفكر وتفقر الواقع وتضعف النقد وتعطل العمل !!!(كذا)فحاولوا أن يسيسوا السياسة وينعشوا النقد ويذكوا الفكر ويوقظونه من سباته، ومن هنا جاء طابع اللامباشرة الذي يميّز ممارستهم(ربما يغمز هنا بالخصوص إلى المرحوم الجابري في آخر نصف عمره بعد تباعده عن الفعل السياسي في حزب الاتحاد الاشتراكي، ونفس الملاحظة تنطبق على عبد الله العروي..)
بالمحصلة يُطالب الأستاذ بنعبد العالي المثقفين ويُطالب نفسه أيضا بممارسة النقد..وبالتالي هذا ليس - حسب نظره-إلا احتجاجا على السياسة إيمانا بالسياسيّ.
هكذا يتفرّج مثقفونا على ما يجري، من موضع " الطابع اللامباشر الذي يميز ممارستهم".أليس هذا نصف الحقيقة، وهم مشكورون عليه ونعترف لهم به، ولكن متى يحين النصف الأخر من الحقيقة: قول وفعل.
تحياتنا لأساتذتنا الذين لولاهم لما خطّطنا ما كتبناه أعلاه، ولا أحد يفرض عليهم ما نحن بصدد الحديث عنه فهم أحرار في مواقفهم، ولكن مواقفهم الرمزية في الفعل تحمل كثيرا من الدلالات السامية وربّما إضافة نوعية للحراك الاجتماعي والذي قد يستفيدون من ثماره فكريا واجتماعيا.
الباعث على هذا البوح، هو إعادة مشاهدتي لبعض صور كل من فوكو وسارتر وهما يتواجدان في قلب انتفاضات المطالبين بالحقوق، فخطر لي السؤال العفوي، وةماذا عن بعض مثقفينا نحن وخاصة الذين تأثروا في فكرهم بفوكو وسارتر ودريدا وتشومسكي وغرامشي،أما سلوكاتهم...هذا هو الأشكال إذا لم يكن في السلوك ما يتناقض مع الفكر.