عدد الرسائل : 2399 العمر : 68 البلد : أفورار العمل : متقاعد مُهتم بالدرس الفلسفي تاريخ التسجيل : 20/12/2007
موضوع: على هامش ما الفلسفة؟ علاقة الفكر بالمكان الجمعة سبتمبر 20, 2013 8:41 pm
علاقة الفكر بالمكان.
الغايات الفلسفية من قضية " إطار النشأة " ضمن إشكالية نشأة الفلسفة. في كتاب " منار الفلسفة " الخاص بالجذوع المشتركة ص 10، نقرأ :"..أين ظهرت الفلسفة ؟ ومتى ظهرت ؟ إننا نتساءل هنا عن المكان والزمان : لماذا ظهرت في هذا البلد وليس ذاك؟ لماذا في هذا الزمان دون غيره من الأزمنة ؟ ما الشروط التي ساهمت في بروز هذا النمط من التفكير وفي انتشاره؟ وكيف تم الانتقال من التفكير الأسطوري إلى التفكير الفلسفي؟ ثم ما هو الجديد الذي حملته الفلسفة بصفة عامة معها بالقياس إلى أنواع من التفكير التي كانت سائدة أنذاك؟.كيف نفسّر فعل النشأة وانتشارها؟......" السؤال، ما المسكوت عنه في هذا الحقل الاستفهامي،والذي من شأنه مساعدة التلاميذ على فهم مبررات طرح تلك الأسئلة؟ يبدو أن المسكوت عنه هو مساءلة علاقة الفكر بالواقع والتاريخ. وحين نقول الفكر نستحضره من خلال اللغة التي تتكلّمه وتُثبّته كتابيا في نص أو منطوق. إذن أول ما نواجهه في رحلة المسار الفلسفي هو اللغة التي تكلّم أو فكّر بها اليونانيون في واقعهم حسب مقتضيات تاريخية سمحت بميلاد الفكر الفلسفي،أو على الأصح طريقة جديدة من التعبير عن الواقع، ومن خلال لغة جديدة أطاحت من الزعامة بلغة أسطورية سادت، وأفلت،أو أزيحت من السيّادة، حين استجدت أسباب أرغمت اليونانيين على إعادة صياغة طريقة تفكيرهم بما يتناسب مع المُستجد الاجتماعي والتاريخي. وحتى لا يعتقد التلميذ أن استحضار الخريطة وبعض المصطلحات من قبيل : المدن، السهول، الجبال..أننا بصدد درس في مادة الاجتماعيات، بل نحن بصدد الحفر عن العلاقة الممكنة بين الفكر وواقعه الجغرافي والتاريخي والسياسي.... ولتجاوز هذا التداخل أو الإسقاط بين المواد، لزم الأمر أن يكون واضحا لدى التلميذ الغاية من الكفاية الممتدة كدعامة تساعد على فهم إشكال النشأة وليس الأمر متعلق بمعلومات تعرّفية كحقيقة معطاة.بحجة أن ظهور الفكر الفلسفي في اليونان تحديدا، يعني أن للمجال أو الموقع الجغرافي دور ما في بروز الفكر الفلسفي. في هذه الحالة يمكن الانفتاح على معيش التلميذ، ويعمد إلى مقارنة بين السقف المعرفي بين متمدرسين في مدن تتوفر فيها كل أسباب الوجود وبين قرى أو أشباه قرى نائية تفتقر إلى كثير من أسباب الوجود بمختلف أنماط انعكاسه على مكونات شخصية المتعلمين على المستوى العقلي والسيكولوجي والقيمي. فالأمكنة ليست مجرد أشياء صمّاء بقدر ماهي مُحفّزات على الإحساس بالوجود، وبالتالي درجة غنى الأمكنة أو فقرها( علما أنها في بعض من جوانبها من تصميم البشر وتجسيد لثقافته المتنوعة..) لها تأثير على طريقة انوجاد وتفكير الناس. السؤال هل هناك علاقة عِلّية بين درجة التفكير وبين طبيعة المكان؟ لا أريد الدخول في جدال حول المكان الهيولى أو الصورة، أو المكان بين الكون والفساد، لكني أقصد المكان الواقعي ككيان مادي بعيدا أو قريبا أو في صلب التنمية بكل أبعادها: هل يتوفر على مستلزمات الوجود الإنساني؟.لهذا كثير من تلامذتي يسألون عن سبب تركّز الحضارة في شمال الكرة الأرضية ..!!!!! وشيوع التأخر والسكون في المناطق الصحراوية وشبه القارية. هذه إشكالية يجب التفكير فيها مع التلاميذ من خلال قضية إطار النشأة. وقد يفهمون لماذا جلّ المدرسين يرفضون التدريس بالمناطق القروية والنائية ويفضلون المدن؟ ونفس الأمر بالنسبة للأطباء والمهندسين والتجار...ولماذا يعتبرون أنفسهم ضحايا مقارنة مع زملائهم في المدن؟ كثير من المناطق النائية تُعتبر " مناطق عبور" يتمدرس تلامذتها على يد مدرسين جُدد ومبتدئين، ولما يشتد عودهم البيداغوجي والمعرفي بعد أربع سنوات يُهاجر أكثرهم إلى المدن بحثا عن الارتقاء الاجتماعي ورغد العيش ليحل مكانهم مدرسون جدد وهكذا دواليك؟ !!!!! السؤال كيف نتصالح مع المكان؟ كيف نتخلّص من إشكالية مكان سعيد ومكان شقي؟ مكان الأسياد ومكان العبيد؟ العجيب والمدهش،أن كل إدارة تريد تأديب أحد موظفيها أو تنتقم منه " تُصدّره "إلى مكان نائي، قفر، فقير !!!! ومن أرادوا ترقيته نقلوه إلى إحدى المدن حيث كل أسباب العيش السعيد له إن كان أعزبا، ولأولاده إن كان متزوجا. إذن القضية ليست فقط مكانا، بل المكان هو ذاته نمط من الوجود، جزء من كينونة الإنسان، وقال المغاربة في إحدى آهاتهم :" شي تزاد في السويسي، وشي تزاد في الفوسي."