تحية إلى الأستاذ رشيد.
أجدني ،من خلال مُساءلتك لماهية المثقف وأدواره الممكنة في المجتمع الذي يُفكّر في مختلف قضاياه،مُتفقا مع كثير من أطروحاته التي نهلت من التصور الجابري والغرامشي مفهومها لأدوار المثقف.ومع ذلك يُمكن الدفع بالمُساءلة إلى إلى أقصى مداها من خلال الأسئلة التالية:
1- هل يجوز الحديث عن المثقف كفرد يتعالى عن الشروط الموضوعية المؤسسة لطبيعة كل مجتمع باعتباره منظومة من الطبقات تتصارع حول أهداف مختلفة؟
2- والحالة هذه هل يُمكن فصل المثقف عن انتمائه الطبقي، ومن ثمة ربط مبرّر وجوده، من خلال إنتاجه الفكري والسياسي، بالحياد تجاه طبيعة الصراع داخل المجتمع؟
3-بالفعل المثقف هو نتاج سيرورة تاريخية... ويمكن إضافة أيضا، هو نتاج طبيعة تموقعه الطبقي في سيرورة لعبة الصراعات الاجتماعية.(مع العلم أننا بصدد الحديث عن مجتمعات كولونيالية تابعة، لا هي رأسمالية ولا هي عرفت نموا ذاتيا يسمح لها بإبداع شروط وجودها بعيدا عن الوصاية الاستعمارية).ضمن هذا الإطار يمكن تحديد أدوار المثقف، ونتجاوز الجدال حول هل بالفعل توجد طبقات في البنية الاجتماعية الكولونيالية، بل توجد فقط فئات اجتماعية هجينة...الأمر الذي يجعل من دور المثقف غاية في الغموض
4-من هذا المنطلق لا يمكن تصنبف المثقفين حسب الانتماء إلى أقطاب الحداثة والأصولية والمخزنية، بل تحديد المثقف حسب انتمائه الطبقي، وباعتبار هذا الأخير هو اختيار بين الانتماء للمستغَلين أو المستغِلين، وهذا هو واقع المجتمع الطبقي، وما دام المثقف جزء من البنية الاجتماعية، فالمفروض في إنتاجاته أن يكون واضحا في تموقعه بعيدا عن كل أشكال الانتهازية والحياد المزعوم تحت ذريعة الاستقلالية أو أي شكل من أشكال التهرّب من تحمّل المسؤولية الفكرية في الانتماء إلى المجتمع، وهذا الأخير كما قال نيتشه : " كمّيات من القوة في علاقة توتر." وبلغة فوكو، المجتمع جهات، وعلى المثقف أن يتموقع ضمن الجهة التي تفرض خطاباتها على أنها هي الحقيقية، وهذا مصدر الصراع بين تلك الجهات.( أنا لاأفهم الجهة بالمعنى المؤسساتي، بل بؤرا للصراع والتوتر من أجل الهيمنة وفق شروط المجال المعرفي).
5- أليس من المطلوب إعادة النظر في مفهوم ودور المثقف مع كل مستجد يفرضه التمرحل التاريخي؟ هل بالفعل لدينا في المغرب مثقفون عضويون أم أشباه مثقفين؟( يحضرني هنا الصراع المرَضي الذي أدى باتحاد كتاب المغرب إلى ما وصل إليه وهو نموذج لتدبير المثقفين لقضاياهم المهنية والإبداعية). والحالة هذه كيف نفسّر انعزالية كثير من المثقفين المغاربة تجاه الربيع المغربي والعربي عموما؟ ما أهمية الإبداع والكتابة في شؤون لا تلقي صدى بسبب قفزها على الموضوعي والإعلاء من الذاتي، مع التذكير أنني لا أطالب من المثقف أن يكون بوقا يجتر أزمات اليومي للمستغَلين، ولكن أن يكون أمينا في إبداعاته التي لا تقفز على الحد الأدنى من رهانات وانتظارات المجتمع، هذا دون تبخيس البعد الجمالي لما يُنتجه المثقفون في مشوارهم الثقافي.أعطي مثالا بسيطا، كثير هم الذين يرتاحون نفسيا لحظة قراءة أشعار نزار قبّاني مقارنة مع أشعار محمود درويش وخاصة الأخيرة التي حاول من خلالها الانتقال من المحلي (الفلسطيني) إلى العالمية (حضور البعد الإنساني على غرار أشعار بابلو نيرودا)، وقراءة إنتاجات محمد عابد الجابري البسيطة الشكل والعميقة المضمون على قراءة إنتاجات عبد الله العروي المعقدة شكلا والغامضة مضمونا.حتى في فرنسا،تعرّض المفكر الكبير جاك لاكان لكثير من الانتقادات بسبب أن لغته غير مفهومة وبالتالي لمن يكتب في نهاية المطاف إذا كان لا أحد يفهم مضمون خطابه، وهل يمكن أن ننعته بالمثقف بمعزل عن فهم الناس له، وقد اعترف المفكر بول ريكور نفسه كونه لا يفهم الكثير من خطابات جاك لاكان، الأمر الذي أغضب هذا الأخير، بخلاف فوكو الذي فتح دروسه لكل الأصناف من المهمشين، ومن هذه الطريقة ظهرت المقاهي الفلسفية المفتوحة على عامة الناس، كبديل عن نخبوية بعض المثقفين.والحالة هذه من السهل في الاعتكاف في المكتب واستصدار شهادة المثقف من خلال غزارة في التأليف، لكن السؤال: ما قيمة ما يكتبه المثقف، وما قيمة مواقفه السياسية والاجتماعية إذا لم تأخذ شرعيتها ومصداقيتها، ليس من دور النشر (كما كان الأمر مع ماسبيرو في فرنسا، ودار الطليعة في لبنان..) بل من شرعية قرّاء المجتمع الذي يكتب لهم (ليس من منطق : الجمهور عايز كذا، وأنا لا أدعو إلى مثقف شَعبوي يجتر هموم الناس اليومية وأفراحهم من أجل نيل سهادة المثقف المُلتزم.نعم للكتابة شروطها وطقوسها وهذا موضوع آخر، خاصة وغالبية المجتمع المغربي أمّي، وهذا يُصعّب من مهمة المثقف في التنوير)بل من روح مسؤولية احترام القراء،إن على مستوى الإبداع أو على مستوى الالتزام بانتظارات هؤلاء القراء، والذين ليسوا بأغبياء أو بلداء.
6- وهنا أطرح السؤال عن لفيف من المثقفين المغاربة من أمثال : محمد جسوس،ادريس بنسعيد،سالم يفوت، محمد مفتاح ، عبد اللطيف اللعبي،عبد السلام بنعبد العالي...فاطمة المرنيسي، عبد الصمد الديالمي....ما هو الفرق بين المدرس الأكاديمي والمثقف؟ هل كل مدرس جامعي مثقف؟ هل كل شاعر مثقف حين يزعم بأنه " حمار أو بيخير"!!!!أم صفة الثقافة تقتضي شروطا؟ حتى كتابات أفلاطون المجردة هي مدخل لدخول أفلاطون إلى عالم السياسية كما اعترف هو بنفسه،فالمثقف ، كان فيلسوفا أو كاتب قصة أو شاعر ...هو يكتب عن الإنسان وللإنسان في نهاية المطاف، السؤال بأية وسيلة وأي أفق؟إذن علينا إعادة النظر مع المستجدات التكنولوجية والإعلامية والتحولات السياسية إعادة النظر في مفهوم المثقف وفي مختلف أدواره الممكنة؟ أعطيك أخي رشيد مثالا واحدا من موقع الفايسبوك، وهو معيار لقياس مدى قيمة الثقافة لدى الملايين من المنخرطين:بعض المثقفين يكتبون مقالات جادة تُلامس صلب حقيقة الوجود الإنساني، ولا يهتم بها أحد، ومن قبيل ما ينشره محمد الدريج وغيرهم كثر . وكثير من المنخرطين في الفايسبوك يقبلون على التعليق على موضوعات الجنس والدين بمفهومه الوعظي التسطيحي.الأستاذ على مولا ينشر أمهات الكتب، وبالكاد تجد إثنين أو ثلاثة يتفاعلون مع تلك الكتب.إضافة إلى صور من الكاريكاتور، التي توضح الإقبال على مشاهدة مباراة كرة القدم والعزوف عن مشاهدة محاضرة لمثقف ما.