من المفارقات التي تروج هذه الأيام في العالم العربي تتعلق بطبيعة التعالق بين الديني والسياسي.لكن لا أحد يُجادل في العلاقة الجدلية بين الديني والسياسي، ولكن المسكوت عنه هو : كيف تقتدي السياسة بمقاصد الشريعة الإسلامية وليس العكس: كيف يتم التوفيق بين مُتغيّرات السياسة وتوابث الدين. مثلا، تقتضي السياسة إعطاء وعود ولكن بسبب إكراهات موضوعية يتم الإخلاف بالوعد. السؤال: كيف نوفّق بين ضرورة السياسة وضرورة الشريعة الإسلامية، بمعنى هل يجوز أن نُفرّق بين الوعد السياسي والكذب بالمعنى الديني؟ نجد في السنة ما يلي: آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف , وإذا عاهد غدر. وفي رواية أخرى: وإذا أؤتمن خان , وإذا حدث كذب , وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر . ونجد في القرآن الكريم الآية التي تحسم الموقف من الكذب. يقول تعالى:" إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } النحل (105).
والغريب في الأمر تجد في طوابير تبرير الكذب السياسي، ومحاولة إخراجه من دائرة الكذب الذي حرّمه الشرع، الكثير من المُنافقين
الذين يتحججون بالتالي: للضرورة أحكام. الإنسان بطبعه خطّاء، النيّة أبلغ من العمل...بل وصل الأمر بالبعض إلى تبرير مختلف مفارقات الجمع بين الديني والسياسي، بإنتاج كذب مُركّب، أي بجهل الكاذب أنه يكذب. مثلا كانت النشوة بالانتصار تبوح صراحة بالقطع مع الفاسدين...وبعد الانتصار تمّت مُعانقة الفاسدين. فمن يكذب على مَن ؟ بل أكثر من ذلك، ظهرت ثقافة غريبة تتساهل مع النفاق السياسي، وتهربُ إلى الأمام بدعوى ترك الفرصة للمنتصرين الجدد، وتأجيل الحكم عليهم. يقول أهل المنطق ما يُبنى على باطل فهو باطل.ولكل بناء أساس، ومن طبيعة الأساس نحكم على طبيعة البناء، وكل أساس هو تجسيد لتصور في مخيلة الفاعل الذي سيجسد الأساس على أرض الواقع.. والطامة الكبرى هذا المنطق التبريري للمُطبّلين للمفارقات، " يُحلّلون لمُريديهم النفاق السياسي ، والتزلّف للفاسدين، وإطاعة أولي الأمر في التدبير الهيكلي، ومراعاة التوازنات الدولية...ويُحرّمون على خصومهم نقد النظام السياسي، والدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته...فقط لأنهم علمانيين وحداثيين. ونِعم التحليل الذي يفوح بالكره والحِقد والشتم من منطلق الحِرص على الدين وفوبيا " موت " الإسلام ناسين قوله تعالى :" إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون.".هذا الاستعلاء " العقائدي" بطعم التكفير المجاني ومن قِبل غير أهل العِلم ، وأسميهم" مغول الفايسبوك" وغيري سماهم " خوارج الفايسبوك" كان آفة معروفة في التاريخ الإسلامي، وكما هو معلوم كان مصير الاستعلاء النرجسي التكفيري -مزبلة تاريخ الغُلاة من جميع الفرق،لأنه يفتقر إلى المُحاجة العقلانية، ويستسلم لتسطيح الأمور من خلال الشتم والسبّ بدل تحليل الخطاب بل ونظام الخطاب.، لتنكشف حقيقتهم كونهم مجرد كِذبة تطمح أن تكون حقيقة، وهم يعلمون إن كان يعلمون أن حبل الكذب قصير كما تقول العامة.