من القضايا اللامفكّر فيها، قضية استغلال عمل فني ،كان أغنية أو ملسلسلا تلفزيونيا، لصالح شركة إشهارية، تروم الدعاية لقطاع خاص من أجل الترويج لمنتوج تُراهن من خلاله على الربح طبعا. المفارقة تكمن في استغلال منتوج فني خرج إلى الوجود بفضل المال العام، لترتميّ عليه شركة خاصة من أجل بيع منتوجها. نقصد بالذات المسلسلات التي تمّ تدعيمها من قبل القناتين من جيوب دافعي الضرائب لتنتهي في أحضان القطاع الخاص. إن المسألة تتعلق بقضية أخلاقية،والمتمثلة في احترام عُشّاق تلك الأعمال الفنية والتي ستُصبح جزءا من الذاكرة الفنية للمغاربة، لكن استغلالها بهدف إشهاري لصالح الخواص يطرح أكثر من سؤال، وخاصة مسلسل دار الورثة. فما هو تبرير كل من المخرج والسيناريست والمنتج...من تقديم سُمعة المسلسل على مذبح الإشهار؟
نأتي إلى أغنية " ساعة سعيدة" لمحمود الإدريسي التي استغلتها شركة الاتصالات إنوي لتبع منتوجها.فمن المعلوم أن هذه الأغنية لم تعد مِلكا لصاحبها محمود الإدريسي ولا إلى كاتب كلماتها مصطفي البغدادي، بل أصبحت في ملك الجمهور المغربي والعربي، وبحبّه لها وكأنَه قام ب" تأميمها" كموروث ثقافي حفاظا عليها من عبث العابثين، ونزوات الضائقة المالية لمبدعيها.إن المرحوم الملك الحسن الثاني كان يعشق هاته الأغنيةـ مثله مثل كثير من عشّاق الطرب الأصيل...لكن مع الأسف تمّ تبخيس هذا الموروث الفني، واستغلال مقصوده الشعري والمرتبط بساعة طاهرة مع الحبيبة، في جوّ كله سعادة وبهجة. تقول الأغنية:
«ساعة سعيدة ماتباع بالأموال... ضوى المكان والفرحة تهني البال
بان حبيبي يلالي سحر وجمال
الحبيب ديالي غير أنا شفتك قلبي ارتاح يا سلام
حلات العشرة وتوالفنا فرحي سعدي زيانت ليام
متعني بالنظر متعني بالسمر حديثك آية ونشوة
يسعد أنغام الوتر وينور دنيا الهوى
ساعة سعيدة ما تباع بأموال.
المُصيبة أن الحبيبة في الأغنية تحوّلت إلى شركة إتصالات، ومن ثمّة تحويل حبّ الحبيبة إلى " حبّ" منتوج هو في النهاية مجرّد خدمة قد تنجح وقد تفشل، لكن رمز الحبيبة مفهوم كوني إنساني يختزن معاني الحب والجمال والعيش المشترك.
ومما زاد الطينة بلّة أن من يؤدي الوصلة الإشهارية -التي سطت على الحب وعوّضته بالتجارة- شاب يزعم أنه " فنان"!!! ابن فنان وفنانة،كان الأولى نصحه ابنيهما بتبعات الغرق في مجزرة" الماركوتينك الفني" الذي بدأ يحرق كل عمل جميل من خلال تشييئه وتحويله إلى مجرّد سلعة لدى شركات لاتفهم في الفن سوى كونه وسيطا للربح.أكيد أن سلطة المال تعلو عند البعض على العمق الأصيل للفن. وصدق الفيلسوف كانط حين قال بضرورة حبّ الفن لذاته، وليس كوسيلة من أجل غايات قد تعمل على تبخيسه.