ملحوظة:
من الأحسن تعديل عنوان مفهوم الوعي واللاوعي بمفهوم الوعي فقط. وذلك لأن المفهوم الأول المركب قد يخلق خلطا لدى التلميذ لأن أحد محاوره تحت عنوان الوعي واللاوعي. لماذا عنونة الدرس الأول بمفهوم الوعي؟ إجابة على السؤال: ما الإنسان؟ فالإنسان أولا وعي، والوعي يحتاج في انوجاده إلى لغة،لأنه لاوجود لوعي بدون لغة. ثم الوعي يتعالق في وجوده مع الجسد( الحواس) والجسد موطن الرغبة والغرائز أيضا، ومن ثمة اللاوعي، كما أن الجسد موطن الدماغ( السيالات العصبية)، وأخيرا الإنسان كائن اجتماعي وسياسي( لا تواصل بدون لغة وتعاقد وتدبير..).هكذا يجب بناء مفاهيم المجزوءة لحظة التحضير الكلي للدرس. فالإنسان كائن المفارقات: وعي /جسد، وعي/ لاوعي، طبيعة/ ثقافة. العلم والحقيقة/الوهم والإيديولوجيا.إذن هناك فرق بين عنونة الوحدة بالوعي، وهذه لها إحالة خاصة، بعكس لو عنوناها بالوعي واللاوعي، وكأننا أمام مشكلة واحدة، غير أن الأمر ليس كذلك، لأن اللاوعي جزء من مشكلة مُركّبة تنفتح على الجسد كحواس تؤسس للإدراك الحسي، ثم اللاوعي باعتباره الجزء الذي لا يفهمه الوعي، وأخيرا كيف نفسر أن الوعي في الوقت الذي يُنتج فيه العلم والحقيقة يُنتج الوهم والإيديولوجيا، أي يقوم بتزييف الواقع...؟ إذن الإشكال المسكوت عنه في الوحدة هو: ما الوعي؟ وما طبيعة علاقته بالجسد، أولا كحواس. وثانيا كموطن لللاوعي ، وأخيرا كيف نفسر أن الوعي مُنتج للحقيقة وفي نفس الوقت مُنتج للوهم؟
المحور الأول: الإدراك الحسي والشعور
*- المجال الإشكالي:
1- كيف يتحقق الوعي كتجربة شعورية سيكولوجية بالعلاقة مع الحواس ( إنها في الحقيقة إشكالية العقل والجسد) بمعنى كيف نجمع سببيا بين جسم مادي يخضع لقوانبن فيزيائية، وبين العقل كمعطى لامادي يملك حرية الإرادة؟ بمعنى كيف يمكن لشيء مادي(الجسد) أن يُسبب أي شيء في شيء لامادي( العقل)؟يقول جيمس تريفل في كتابه القيم:
هل نحن بلا نظير؟ تتلخص مسألة الوعي في التساؤل عن كيف يمكن لنظام مثل العقل( والوعي فعل عقلي) والجسد البشريين أن يُنتج إدراكا للذات، بعبارة أخرى كيف يستطيع نظام مادي يعمل وفقا للقوانين المادية أن ينتج الاستشعار
بالوعي بالذات، الذي نتشارك فيه جميعا؟ إذن هل يمكن تعريف الوعي تعريفا دقيقا؟
2- وما العلاقة بين الإحساس والإدراك؟ وكيف يتحول الإحساس الأولي إلى إدراك؟ وهل يمكن الحديث عن إحساس محض بدون إدراك ؟
نقترح الإشتغال على المقاربة الفلسفية لقضية الوعي، من خلال روني ديكارت ( الموقف العقلاني)، ثم الموقف التجريبي المتمثل هي دافيد هيوم ، وأخيرا مُقاربة الأطروحة البيولوجية للوعي، مع ج.ب.شونجو.
الموقف الفلسفي العقلاني والموقف الفلسفي التجريبي لقضية علاقة الوعي بالإدراك الحسي:
الشخص جوهر مفكر " ماذا كنت أظنني من قبل؟كنت أظنني إنسانا بلا شك ، ولكن ما الإنسان؟.. أنا واجد أن الفكر هو الصفة التي تخصني، وأنه وحده لا ينفصل عني.. أنا كائن، وأنا موجود: هذا أمر يقيني، ولكن إلى متى؟ أنا موجود ما دمت
أفكر، فقد يحصل أني متى انقطعت عن التفكير تماما انقطعت عن الوجود بتاتا. ولكن أي شيء أنا إذن؟ أنا" شيء مفكر". وما الشيء المفكر ؟ إنه شيء يشك ويتصور ويثبت وينفي ويتخيل ويحس أيضا... لقد عرفت أني جوهر ذاته وطبيعته التفكير ، ولا يحتاج في وجوده إلى مكان ولا يخضع لشيء مادي ...وعلى هذه الصورة "الأنا" أو "النفس" التي هي أساس ما أنا عليه متميزة تمام التمييز عن الجسم." ر. ديكارت.التأملات.
قبل الشروع في تحليل إجابة النصين على الإشكالية المطروحة، يجب تحليل مفاهيم المحور الأول نظرا لأهميتها في بناء الإشكالية مفاهيميا:
الإدراك الحسي والشعور.] الإحساس:ظاهرة نفسية متولدة من تأثّر إحدى الحواس بمُؤثر ما. بقول الجرجاني:"الإحساس إدراك الشيء بإحدى الحواس، فإذا كان الإحساس للحس الظاهر فهو المشاهدات، وإذا كان الحس الباطن فهو الوجدانيات."
- والحس هو القوة التي بها تُدرك الإحساسات،و الحواس هي آلت الحس.و الحسي أو المحسوس هو ما يُدرك بالحواس.
-الإدراك: يدل على شعور الشخص بالإحساس الذي تنقله إليه حواسه، والردّ عليه بصورة مًوافقة. هنا يختلف الإدراك عن الإحساس.فإذا حصل في ذات المُدرك عند تأثر أعضاء الحس انفعال سمي إحساسا، وإذا حصل تناول عقلي للحس سمي إدراكا. لكن الإدراك يزيد عن الإحساس بأن آلة الحس تكون فيه أشدّ والنفس أكثر انتباها من جهة إعطاء الإحساس معنى.الإدراك هو معرفة العالم الخارجي بواسطة الحواس وإعطائه معنى.
لكن المشكلة هي هل هذه التعاريف المعجمية يقبل بها جميع الفلاسفة، وخاصة العقلانيين الذين ينكرون دور الحواس في إمداد العقل بمعطيات حقيقية، أي يقبلها كما هي، بل للعقل مبادئ قبلية هي التي تُنظم معطيات الحواس بتحويلها من أشياء العالم المُشتتة إلى مدركات حسية ثم إلى مدركات عقلية بتطابق مع ما قي العقل من مبادئ لا تُستمد من الحواس لأنها قبلية.وآخرون يرون أن العقل صفحة بيضاء( التجريبيون)، والحواس هي التي تكتب على هذه الصفحة...إلخ. لننصت إلى تأويلات الفلاسفة والعلماء، ونفكر في كيفية طرحهم للمشكل، وطريقة حجاجهم بخصوص كيفية معرفة الذات لذاها ، وللعالم الخارجي، انطلاقا من إشكالية تأسيس العلاقة( التجاذبية أو التنافرية) بين العقل والجسد، أو النفس والجسد.
إجابة الموقف الفلسفي العقلاني. ديكارت1- من عنوان النص يبدو أن الوعي في انوجاده وإيجاده للمعرفة لم يحتج إلى الجسد. ألم يقل في نهاية النص بأن الأنا العاقل لذاتهبذاته متميز عن الجسم.
2- حينما أراد ديكارت أن يعي ذاته لم يحتج إلى حواسه، بسبب أن الحواس تخدعنا في إدراكنا الحسي لموضوعاتها، مما جعل ديكارت يشك فيها ويستبعدها من عملية الوعي.
4- إذن الوعي عائق أمام حصول وعي بحقيقة الذات والعالم ( العالم كما تتمثله الذات لا كما تنقله لنا حواسنا). لكن من أين يستمد ديكارت الثقة في وعيه بذاته؟ إن خداع الحواس جعله يشك في كل شيء، ولكنه لا يمكن أن
يشك في أنه يشك. والشك تفكير، فهو إذن موجود لأنه يفكر بعقله لا بحواسه، لهذا فصل ديكارت بين الوعي والحواس في معرفة الحقيقة. السؤال: من أين جاء العقل( المفكر والواعي) بمبادئه التي يعي بها ذاته؟ يُجيب بأن العقل فطري، أي حاصل بصفة قبلية وسابقة على الحواس، مبادئ المعرفة المتعالية على الحواس والإدراكات الحسية.( ويمكن استحضار مناقشة ديكارت لمفهوم اللامتناهي باعتباره مفهوما قبليا وسابقا عاى التجربة الحسية لأن الله أودعه في عقل الإنسان. فالإنسان كائن متناهي ولا يمكن له أن يرقى لهذا المفهوم بذاته...إلخ
5- إذن الوعي هو وعي بالذات بواسطة العقل الذي يعي وجود ذاته بذاته وليس بالحواس، إنه وعي تأملي خالص لأنه جوهر( أي ما لا يحتاج في وجوده إلا إلى ذاته) وهو يُشكل حقيقة الذات وليست الحواس. ألم يقل:"
متى
انقطعت عن التفكير تماما انقطعت عن الوجود بتاتا."
الأطروحة المضادة: الفلسفة التجريبية. دافيد هيوم الإدراك الحسي و
الوعي بالذات"هناك بعض الفلاسفة الذين يظنون أن لدينا في كل حين شعورا حميميا بما نسميه" أنا "، وأننا نحس بوجوده وباستمرار وجوده، وأننا متيقنون من هويّته وبساطته التامين يقينا أكثر من ذاك الذي يكون بواسطة البرهان.. أما من
جهتي فإني عندما أتوغل في أعماق ما أسميه"أنا" أصطدم دائما بهذا الإدراك الخاص أو ذاك بالحرارة أو البرودة
أو بالنور أو بالظلام وبالحب أو الكراهية و بالألم أو اللذة. فلا يمكنني أن أعقل نفسي (أنا) في أية لحظة من دون إدراك ما، ولا يمكنني أن ألاحظ إلا الإدراك. فعندما تزول إدراكاتي الحسية لمدة من الزمان، مثلما يكون ذلك بالنوم الهادئ فإن شعوري(بأناي) يزول طيلة النوم. ويمكن القول حقا بأني لست موجودا. فلو كانت جميع إدراكاتي قد زالت بالموت، وكنت لا أستطيع أن أفكر ولا أن أحس و لا أن أرى ولا أن أحب ولا أن أكره بعد تحلل جسمي، فإنني
أكون قد غبتُ تماما، وأني لا أتصور شيئا أكثر من هذا ليجعل مني عدما بحثا. دافيد هيوم. منقول من الشامل في الفلسفة.محمد سبيلا وآخرين.ص11
1- مُعظم الفلسفات التجريبية تنطلق من المقولة الأرسطية التالية:" ل
ا يوجد شيء في العقل إلا وقد سبق وجوده في الحس.2- كيف يحدث الوعي؟ يحدث بسبب إدراكاتنا الحسية للموضوعات الخارجية والذاتية. وهذا الحس هو الذي يحدد وجودنا. ألم يقل هيوم:"عندما تزول إدراكاتي الحسية ( في النوم) يزول إحساسي بوجودي.( كحقيقة مادية)
3- إذن مضمون الوعي يوجد بفضل الإدراك الحسي المباشر بواسطة الحواس، كمبدأ لبناء الوعي بموضوعات الحواس. لكن السؤال هو: كيف يتحول الإحساس بواسطة الحواس إلى معاني؟
4- أولا: إدراكاتنا عبارة عن:
أ-
انطباعات حسية وذاتية تتكون في داخلنا مباشرة.
ب-
تصورات هي نسخ عن الانطباعات نُكوّنها بواسطة التذكر والتخيل.
ثانيا: يحصل الوعي إذن بموجب
قوانين التداعي.بمعنى توالي مختلف الأحاسيس بشكل
تعاقبي وتكراري، نقوم بتذكره وتوقعه بفعل
العادة التي ألّفت العلاقة السببية بين العلة والمعلول في حقل التجربة. مثال: نقول بأن A ترتبط سببيا ب B ، وذلك بملاحظتنا لتتابعهما بالتداعي. فA تلحق ب B على ما جرت عليه عادتنا.
التفسير البيولوجي( النيوروبيولوجي) للوعي باعتباره نشاطا عصبيا مشروطا فيزيولوجيا.
تحليل نص شونجو. ص14 كتاب في رحاب الفلسفة.
المرجعية العلمية للنص وخلفياته الإيديولوجية المسكوت عنها.
-في نظري لم تتوفق لجنة تأليف كتاب في رحاب الفلسفة في اختيار نصوص وظيفية تخدم إشكالية العلاقة المعقدة بين الإدراك الحسي والوعي ( أي الجسد والعقل)، ولهذا اشتغلنا على نصي ديكارت وهيوم كما وردا في كتاب الشامل في
الفلسفة( محمد سبيلا، أحمد العلوي، محمد الشيكر)ومع ذلك يمكن جعل نصي شونجو وراسل يعالجان الإشكال أعلاه.
2- السؤال :ما الإنسان؟ من بين عناصر الجواب، الإنسان وعي. ولكن هل يمكن تحديد الوعي تحديدا دقيقا؟ ألا يصادف هذا التحديد مشكلة تقاطع الوعي مع الجسد، باعتباره حواسا ودماغا كآليات مادية، الأمر الذي يخلق المشكل العويص التالي: كيف يتعايش في نفس الذات نمطان من الوجود مختلفان في طبيعتهما الأنطولوجية: الجسد والنفس؟ إن طريقة طرح السؤال هي التي تحدد نوع الإجابة. وقد اختلف طرح سؤال العلاقة منذ بداية ظهور الفلسفة مع سقراط مرورا بأفلاطون وأرسطو..حتى الآن، ويبدو أن النقاش حول سؤال العلاقة بين الجسد والنفس سيستمر في المستقبل. إن هوية الوعي، وهوية الجسد، والسؤال عن طبيعة العلاقة بينهما ليست من الأمور التي يمكن الحسم فيها بسهولة نظرا لطبيعتها المعقدة، ونظرا لدخول المقاربات العلمية المتخصصة في الدماغ على الخط، بعد أن كان الوعي شأنا فلسفيا.
3- بالنسبة للأطروحة البيولوجية للوعي، ذات المرجعية العلمية السلوكية والتجريبية الوضعية،والتي تتموضع ضمنها مقاربة شونجو، هذا الأخير ينطلق في تعريفه للوعي من خلفية أن للإنسان بعد واحد هو جسده، وهذا ما يمكن ملاحظته بالتجربة، ومن ثمة للجسد عدة وظائف، من بينها
أن الوعي مجرد إفراز دماغي تقوم به خلايا عصبية.ومن هذه الخلفية يعرف شونجو الوعي كونه عبارة عن
نشاط عصبي مشروط فيزيولوجيا،لتأخذ" الصور العقلية" طابعا ماديا. هذه هي فرضية التفسير البيولوجي للوعي. لماذا؟ إن هذه الفرضية لا تؤمن بوجود النفس أو الروح في الجسد باستقلال عن النشاط الفيزيولوجي للدماغ، وبالتالي لا تعترف- كما يفعل الفلاسفة بوجود ثنائية العقل والجسد كما بفعل راسل في النص المقابل.لقد حسم شونجو في تحديده الدقيق للوعي باعتباره وظيفة دماغية، وليس معطى مُفارقا عن الجسد كما اعتقد أفلاطون وديكارت.
إذن نحن أمام مقاربة علمية وضعية تنفي وجود الوعي في شكله الروحاني واللامادي، وتختزله في مجرد كونه إفراز دماغي. إذن إجابة عن السؤال هل يكمن تحديد الوعي تحديدا دقيقا، يجيب شونجو نعم، لأنه حسم الموقف برصد الوعي في تيار كهربائي ينقل إشارة من خلية عصبية إلى أخرى تتضمن رسالة.إذن ليست هناك إشكالية للوعي لدى هذه المقارية( وهناك من يسميها بالمقاربة المنكرة للوعي، مثل إنكارها وجود الشبح في الآلة الميكانيكية، وانتهى الأمر).إذن ليس هناك ما يمكن تفسيره بخصوص الوعي، وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف دانييل دينيت في كتابه" تفسير الوعي" حيث يصف القائلين بوجود شيء خاص حول الوعي البشري،أي شيء يقع خارج حدود المعروف عن أفعال الدماغ المادي، يصفهم بالرومانسية ( عالم المعرفة: هل نحن بلا نظير) ووصفهم شونجو بأصحاب الخطابات الأدبية حول موضوع الوعي.
لكن ما لم يستطع الإجابة عنه شونجو بشكل مُقنع هو الآتي:
كيف نفسر كيفية الإنتقال من مجموعة من السيالات العصبية المُطلقة للإشارات العصبية إلى الإدراك بالذات ثم الوعي بهذه الذات؟المحور الثاني: اللاوعيتأطير: لا يمكن فهم فرضية اللاوعي من منطلق فلسفة الغريزة -كما أسس لها نيتشه وفرويد- إلا باستحضار فلسفة الوعي منذ أفلاطون حتى ديكارت مرورا بكانط وهيجل...فما الذي نعنيه بفلسفة الوعي؟ ولماذا ظهر تفسير/تأويل جديد للإنسان باعتباره جسدا يتحكم في عقل وليس عقلا يتحكم في جسد؟ ( يمكن الرجوع إلى درسنا الوضع البشري في هذا المنتدى)
إشكال المحور:
بأي معنى يمتلك الإنسان حياة نفسية باطنية لا يعيها العقل، إذ تنفلت من سلطته، وتشكل قارة مجهولة لا تنكشف للوعي إلا عبر علامات ورموز تحتاج إلى تفسير وتأويل دلالتها الخفية؟ما هذا الذي لا يعيه الإنسان فأطلق عليه إسم اللاوعي؟
*- الــــــــــــــلا وعي: تنقسم هذه الكلمة إلى شقين وهي تتضمن تناقضا ظاهريا)
أ- الـــــــــــلا: وهي صيغة للنفي،بمعنى أن ما هو موجود في الذات ولكن غير مشعور به، لأنه ينفلت من معرفتها بواسطة الوعي المباشر. السؤال لماذا لانعي هذا الذي بداخلنا؟ كيف أفسر حضور معطى نفسي في ذاتي ولكن لاأعيه؟ وبعبارة جوليا كريستيفا ما هذا الغريب الذي يسكنني على نحو غريب؟ إذن لماذا اللاوعي غريب ويسكنني على نحو غريب؟ هل نفهم من هذا الافتراض أن العقل لم يعد سيدا في بيته؟ إذن ما هذا الذي يسكن الذات ولا تعيع الذات مباشرة؟
ب- الوعي: هو الإدراك المباشر لما يعرض للوعي من خلال حضوره في الذهن كموضوع قابل للمعرفة العقلية. وصيغة النفي السابقة تؤسس للتناقض الظاهري فقط في الدلالة: حضور الموضوع في الذات لا يعني وعيه من طرف الذات، مع أن ما يغيب هو ما لا نعيه في غيابه وليس في حضوره.فاللاوعي أقرب إلى عدم فهم حياة نفسية لا يتحكم فيها العقل رغم وعيه بوجودها ، لكنه لا يستطيع التحكم فيها .نقول هذا حتى لا نخفق في وضع المشكلة بالمصطلح غير المناسب.
يقول فرويد ردا على ديكارت الذي آمن بشكل يقيني وبدهي أنه لا يوجد شيء في ذاته إلا ويعيه كامل الوعي، ومن ثمة طابق بين الشعور والحياة النفسية للإنسان:
"إن فرضية اللاوعي ضرورية لأن معطيات الوعي ناقصة جدا. ذلك أنه كثيرا ما تحدث لدى الإنسان السوي والمريض على حد سواء جملة من الأفعال النفسية التي تستلزم، من أحل تفسيرها، أفعالا نفسية أخرى لا تحظى باعتراف الوعي..إن هذه الأفعال النفسية اللاواعية لا تتمثل فحسب، في الهفوات والأحلام عند الإنسان السوي ، وكل ما نسميه بالأعراض النفسية والظواهر القسرية بالنسبة للإنسان المريض، بل إن تجربتنا اليومية الأكثر حميمية تضعنا أمام أفكار تخطر لنا من غير أن نعرف مصدرها أي أمام خلاصات تفكير تظل عمليات إنشائها وتمثلها خفية عنا ..إن كل هذه الأفعال الواعية تظل مفككة وغير قابلة للفهم، إذا ما أصررنا على الزعم بأنه ينبغي أن ندرك عن طريق الوعي كل ما يجري فينا من أفعال نفسية." سجموند فرويد .
ملحوظة منهجية: أود في البداية أن ألفت النظر إلى عدم الوقوع في الخلط بين مفهوم الجهاز النفسي وبين اللاوعي، على اعتبار أن اللاوعي جزء من الجهاز النفسي كما افترضه فرويد..السؤال لماذا كلما نتحدث عن اللاوعي ندرج معه
مباشرة الأنا والأنا الأعلى؟ مع العلم أن مجزوءة الإنسان تراهن على التقابل الإشكالي بين الوعي واللاوعي، وليس بين الوعي والجهاز النفسي، هذا الأخير مُتعلق بهوية الإنسان، كما هو الشأن في مقر الثانية بكالوريا.بينما في السنة أولى بكالوريا يجب التركيز على اللاوعي مباشرة، مع التنصيص على أنه جزء من جهاز نفسي ، دون الدخول في تفاصيل دور الأنا ووظيفته وعلاقته باللاوعي، ثم منشأ الأنا الأعلى ووظيفته وطبيعته ، الأمر الذي يشوش على مفهوم اللاوعي، وبالتالي يعتبر التلميذ أن اللاوعي هو كل الجهاز النفسي.وهذا تشويه لمفهوم اللاوعي. بمعنى من الأفضل عدم إغراق التلميذ فيتفاصيل الجهاز النفسي على حساب اللاوعي.