قضايا للتفكير : تشريح العقل الأصولي.
هذه بداية سلسلة من مقالات ، بعنوان " أقرأ لكم"، توثّق للصراع الفكري والسياسي بين التيار العلماني والتيار الديني الأصولي، على خلفية أن الصراع الفكري والسياسي ما هو إلاّ تجسيدا لحقيقة الصراع الطبقي،حسب ألتوسير، وعند البعض " التدافع"، كلّ هذا يضع المقولة الماركسية التالية "الثقافة السائدة للطبقة السائدة"، في مِحكّ مدى مِصداقيتها.فلكل جِدال أو صراع أو اختلاف رهان ظاهر أو مسكوت عنه.لقد اطّلعتُ على بعض المقالات بالفايسبوك حول الموضوع، لكنّها عبارة عن خواطر ذاتية تخصّ صاحبها ولا ترقى إلى مستوى استفزاز حاسة الأشكلة ومن ثمة إعمال العقل في الموضوع بدل ردّ الفعل بنفس الخواطر: كلام جميل.. سر على هذا المنوال..الله يقوّي من أمثالك...هذا المنطق المعطوب يُساهم بالضرورة في تغليط الكاتب وربّما تضخيم نرجسيته بدل الارتقاء بالنقاش إلى مستوى التفكير من منطلق الإشكال المطروح.لسنا في حاجة إلى التعليق من قبيل ما تفعله " النكّافة" للعروس.
أقرأ لكم في هذه الحلقة موقفا لمفكّر علماني لبناني هو " علي حرب" الذي يقوم بتشريح طريقة اشتغال العقل الأصولي من منطلق الفكر المُخالف أي الفكر العلماني، وفي حلقة قادمة نستحضر نصا لمفكّر أصولي يُوضّح فيه رأيه من قبيل ما فكّر فيه المُخالفون من العلمانيين لتصوراتهم.
(مقتطف من كتاب :المصالح والمصائر.على حرب.ص 31-34.ط 2010.منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم ناشرون).يقول علي حرب:
" تشريح العقل الأصولي.
داء الاضطفاء وفخ الاستثناء.
من وقائع العصر الكبرى، أن الأصولية الدينية،وبخاصة، الإسلامية، أمست االيوم لاعبا أساسيا على المسرح وفاعلا قويا
في المشهد العربي والعالمي.من هنا فهي مدار لقراءات وتأويلات مخنلفة ومتعددة.
...بماذا نفسّر عودة الدين على المسرح بهذه القوة ؟ وإلى أين تقودنا المشاريع الأصولية؟ وكيف يتشكّل النموذج الأصولي ويعمل؟ أو كيف يصنع عقل المتديّن في مجتمع تعدّدي ...؟
*- الهويّة العنصرية:
1- أولها (المعتقد الاصطفائي) الذي يزرع في عقل المسلم منذ النشأة، شعورا عارما بالنرجسية التي تجعله يؤمن بأن أهل ملّته وفرقته ليسوا كبقية الناس،لأن الله اختارهم لكي يكونوا ناطقين باسمه أو يجسّدون كلمته...ولهذا فهم في نظره وحدهم أهل الإيمان الصحيح والسائرون على الصراط المستقيم والنهج القويم، وما عداهم في ضلال مُبين.إنه( داء الاصطفاء وفخّ الاستثناء.)
2- والوجه الآخر للمعتقد الاصطفائي،هو (اليقين الدوغمائي) الذي يُهم كل مُتديّن، وبخاصة المُسلم... بأنه ينتمي إلى جماعة هم وحدهم مالكو مفاتيح الحقيقة والاستقامة والهداية والسعادة.
هذا الوهم المزدوج يتجسّد في نهاية المطاف في (هويّة عنصرية) تجعل أصحابها يرون إلى أنفسهم بأنهم الأحق والأصدق والأكمل والأشرف والأنظف علما وخُلقا أونسبا ومكانة أو عملا،ومالا،كما تملآ السمع والبصر الخطابات من جانب الدعاة على الشاشات.هذا هو الأساس الذي ينهض عليه المشروع الأصولي ويُفجّره في آن...
3- الوجه الثالث للإصطفاء واليقين، هو( الفكر الأحادي).. ويترتب عن ذلك نفي أي إمكان وجودي للتعدد والتنوع أوللالتباس والإشكال والتوتر والتعارض أو للحركة والصيرورة...هكذا تُقرأ النصوص : المعنى واحد، والحقيقة مطلقة،واليقين قاطع،والحقّ بيّن لا لبس فيه ولا يقبل الجدال، نحن هنا إزاء ديكتاتورية الحقيقة وإمبريالية المعنى.
4- الوجه الرابع لدعوى الاصطفاء والوثوق والوحدانية، هو المبدأ السكوني.فالأصل عندهم ثابت...إنه يقع خارج الزمان والمكان بقدر ما هو متعال على التاريخ، ولذا فإن أصحابة يعتبرون بأنه ينسخ ما قبله ويلغي ما عداه بقدر ما يعتبرون بأن ما يأتي بعده ينبغي أن يكون محرّد تجلّ له أو امتداد أو تطبيق وإلا كان مجرد انحراف وفساد أو زيغ وبطلان.
...ولذا فالأصولي لا يُمارس فعل التفكير الحيّ والخلاّق...إنه يفكر بصورة مُغلقة أو أحادية، بقدر ما تتحكّم في تفكيره المقدّسات والمسلّمات والمسبقات.فهو إذن ليس ذاتا مفكرة، بل مجرّد جهاز إيديولوجي..بقدر ما يعتبر أن هناك مَن فكّر عنه وما عليه إلاّ الامتثال والطاعة، وتلك عقلية الحشد والقطيع." انتهى حديث علي حرب.
رجائي أن ينخرط المُهتمّون بالموضوع من خلال نصوص ووثائق وأشرطة فيديو، من أجل فهم حقيقة المواقف وإنصاف أصحابها ، هذا إذا كنّا بالفعل نريد أن نُعطي لمثل هذه المواضيع صبغة بيداغوجية وفكرية بدل العرض " الكوكوت مينوتي" الذي ينمحي من الذاكرة فور غلق صفحة الفايسبوك، أما إذا كان العرض مسكونا بالأسئلة الحارقة، فتلك الطريق الملكي نحو التفكير بالفعل.إذن لنساهم على إخراج التفكير من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل.
.علي حرب