إذن سؤال ما الإنسان ؟ يستمر مع مفهوم الرغبة باعتبارها إحدى مميزات الوجود الإنساني، وبالفعل الإنسان كائن راغب ، لكن بأي معنى ؟
من هذا المنطلق، من الأفضل إطلاع التلاميذ على دلالة مفهوم الرغبة كما قاربه المفكرون عبر تاريخ الفلسفة. وفي هذا الصدد يُمكن جعل التلاميذ في الصورة من خلال،أن تاريخ الفلسفة قبل الدخول في تفاصيل إشكال الرغبة، عرف تباينا بخصوص مفهوم الرغبة، سلبا وإيجابا ( كما هو الشأن بخصوص مفهوم الإيديولوجيا بمعنييها السلبي والإيجابي). ومن الممكن وضع التلاميذ في الصورة من خلال المقاربة الفلسفية للرغبة ومقاربة العلوم الإنسانية. الأولى نموذج أفلاطون، والثانية نموذج فرويد ( من خلال تفسير عبد الله العروي)
الموقف الفلسفي التقليدي من الرغبة، نموذج أفلاطون.( المعنى السلبي)
ما الرغبة؟
يقول أفلاطون:" إنه يوجد من الملذات والرغبات غير الضرورية ما هو في رأيي مُفتقر إلى كل تنظيم. ويبدو أن هذه الرغبات فطرية في الناس أجمعين،غير أنّ قمعها عن طريق القوانين والرغبات الأفضل، قد يؤدّي إلى اقتلاعها من جذورها عند بعض الناس،أو إلى الإقلال من عددها والتخفيف من حِدّتها...ولكن عن أيّ الرغبات نتحدث ؟ إننا نتحدث عن تلك التي تستيقظ خلال النوم، أي عندما يُغيّبُ الكرى ذلك الجزء العاقل الرفيع من النفس ( العاقلة)، الذي يتولى التحكّم في الجزء الآخر، بينما ينطلق الجزء الحيواني المتوحش في النفس من عقاله، مُثقلا بالطعام والشراب، فينفضّ عن نفسه النوم، ويبحث عن مجالِ لنشاطه ومُتنفس لشهواته، فالنفس في هذه الحالة لا تخجل من شيء، كما لو كانت قد تحلّلت من كل حياء، فلا تتردّد في أن تحاول بالخيال أن تَهْتِكَ عِرْضَ الأمّ أو من عداها...ولكل واحد منّا نوع من الرغبات الفظيعة، المتوحشة ، الهوجاء،وهي رغبات نجدها حتى في تلك الصفوة القليلة من الناس الذين يبدون على قدر كبير من الاعتدال.."كتاب الجمهورية".
موقف العلوم الإنسانية. ( مدرسة التحليل النفسي. س فرويد، وانسجاما مع موقف فرويد من الوعي واللاوعي، الرغبى بالمعنى الإيجابي: الإبداعي والدينامي)
الرغبة في تعارض مع العقل:
لا يمكن أن نفهم الأفكار والأنظمة الاجتماعية بالنظر إلى القواعد العقلية التي أنشأتها وركبتها ، لابد من الغوص عما يتحكم في العقل ويستخدمه.إن القوة التي تستخدم العقل لتنفيذ أغراضها بوسائل ملتوية هي الرغبة المكبوتة وراء الوعي.
كل ظاهرة(فكرة، مؤسسة، مذهب) هي عبارة عن نزوات للرغبة. يجب تأويل الأخلاق والأعمال الفنية... باعتبارها رموزا تشير إلى أهداف غريزية وأقمصة شفافة تتقمصها الرغبة.إذا أخذنا هذه الأشياء على ظاهرها أو فهمناها على أساس العقل الذي ركبها، فإنها تقود إلى أوهام ، إلى ما يظهر حقيقة قي حين أنه يستر الحقيقة.
إن نتاجات العقل عند فرويد هي تبريرات خلقها الإنسان المتمدن لمعارضة دفع الرغبة الجارف، وذلك استنادا إلى طبيعة الإنسان الحيوانية. عبد الله العروي. من دفاتر فلسفية .
أُفَضّل شخصيا هذا المدخل لإطلاع التلميذ على أن مفهوم الرغبة قضية إشكالية، هناك من يحتقرها ويربطها بالجانب الحيواني !!! في الإنسان، وبين من يعتبرها مُولّدة للإبداع والفاعلية والدينامية، ولا يجوز التطابق بين الرغبة الإنسانية وميل الحيوان الغريزي إلى إشباع حاجياته البيولوجية، وكما سنرى مع فرويد أن الجسد الإنساني ليس موضع إشباع غريزي فقط كما هو الشأن عند الحيوان، بل الجسد الإنساني هو موضع خبرة نفسية ووجدانية، كما بيّن في أطروحته حول مراحل التطور الجنسي عند الطفل ( الفمية والشرجية والقضيبية والكمون والبلوغ) وهو ما ستعمل على إيضاحه " ميلاني كلاين في مقاربتها للرغبة في علاقتها بالحاجة عند الطفل الرضيع.
ويمتد الموضوع إلى علاقة الرغبة مع كل من الحاجة والإرادة والسعادة، ولكلّ طرفي العلاقة إشكال محدد.
أقترح إشراك التلاميذ في التفكير في مدى ارتباطهم اليومي بمختلف الحاجات ومتى تتحول هذه الأخيرة إلى رغبات ؟ وهل الإنسان على وعي برغباته أم بعضها لاشعوري وكيف التمييز بين الرغبة الواعية واللاواعية؟ ومتى تحقق الرغبات السعادة ومتى قد تكون مصدرا للشقاء؟
ويمكن الاشتغال على العديد من الأمثلة من الواقع اليومي من خلال طرح القضية قيد التفكير على شكل مفارقات وتقابلات، ونطلب التلميذ التمييز بين الحاجات والرغبات، ومتى يتنابذان ومتى يتجاذبان، وما الرغبات الواعية واللاواعية، ومتى يكون تحقيق الرغبات سببا في الشعور بالسعادة ( النظرية والعملية)، وهل تخضع الرغبات للوعي والإرادة أم أنها عفوية أو لاشعورية؟
للموضوع بقية.