على هامش درس مفهوم الحقيقة.
يُمكن تحويل "صادرات" دلالة مفهوم الحقيقة عبر تاريخ الفلسفة إلى "واردات" يكون من خلالها التلاميذ قد استوعبوا علاقة الفكر بالواقع، ومن ثمة أجرأة قضايا الفكر في السلوك اليومي.
1- الصادرات الفلسفية ( بلفة بيداغوجيا الإدماج):
عرف تاريخ الفلسفة تصورين أساسين لتحوّ ل دلالة مفهوم الحقيقة.
أ- التصور الفلسفي التقليدي، والذي عرّف الحقيقة باعتبارها " مطابقة الفكر للواقع". ولكنهم اختلفوا في أساس الحقيقة وعلى أساسه تتم المطابقة، هل هو الفكر، ومن ثمة على الواقع أن يتطابق مع الفكر، أم أساس المطايقة هو الواقع وبالتالي على الفكر أن يتطابق مع الواقع. بالمحصلة تقتضي المطابقة " أصلا" هو مقرّ الحقيقة، وفي اتجاههه تشدّ النّسخ الرحال إلى حضرته تطلب منه مبرر وجودها عبر التشبّه به .
ب- التصور الفلسفي الحديث، ويبدأ مع نيتشه مرورا بهيدجر ووصولا إلى ميشال فوكو... لم تعد الحقيقة تفترض أصلا تتطابق معه،بل أصبحت الحقيقة مجموعة "خطابات" تُنتجها "جهات ومؤسسات " داخل المجتمع تريد أن تفرض سلطة هيمنتها، وكل جهة تدافع عن خطابها كونه " الحقيقة" الأمر الذي يترتب عنه " صراع " حول الحقيقة، وهذا ما يفسره نيتشه بكون المجتمع " كمّيات من القوة في علاقة توثر."
إذن الحقيقة " مطابقة عمودية " و " سلطة أفقية".
2- الواردات:السؤال كيف يتم إدماج التلاميذ لهذين التصورين في علاقتهم بالحقيقة؟ الاحتمال الأول،هناك من سيكون ضحية للبحث عن التطابق والتشابه من خلال التبعية لمصدر يعتقد أنه مقر الحقيقة ومصدر الشرعية والهوية والذاتية. ومن نتائج هذا الاعتقاد رفض الاختلاف والتنوّع والتعدد. فأطروحة التطابق مبنية على التشابه وبالتالي رفض التناقض،الأمر الذي جعل نيتشه يُخلخل فكرة التطابق المبنية على الوحدة والتشابه من خلال سؤاله الشهير:"كيف يمكن للشيء أن يتولد عن نقيضه كـأن تتولد الحقيقة عن الخطإ ؟"
ماذا لو اقتنع فريق من التلاميذ بفلسفة الاختلاف والتعدد بدل التشابه والوحدة؟ وانخرطوا في معسكر الجهات، علما أن اقتناعهم بالجهة التي ينتمون إليها هي اختيار هو ذاته مسكون بالاختلاف والتعدد ( قياسا على وجود تعبيرات سياسية مختلفة حتى داخل نفس التنظيم) بخلاف الانتماء إلى قاعدة التطابق حيث تسود التبعية وعقلية القطيع بسبب آفة التشابه والوحدة والهوية.
لهذا الأسباب ننتظر من التلاميذ " واردات " تعكس فهمهم للصادرات وإعادة إنتاجها وفق ما يتصورونه وليس وفق أصل يُفرض عليهم التطابق معه. مثلا في الدراسات الجامعية يفرض كثير من المدرسين قاعدة " بضاعتنا ردّت إلينا " !! بحيث يعتبر الأستاذ الجامعي " البوليكوب "( أو إنجيل المدرس) هو الأصل والحقيقة وعلى الطلبة التطابق معه من خلال إعادة سرده كما هو في الامتحانات الدورية أو النهائية. وهذا ضد مبدأ توظيف التعلمات في حل وضعيات مشكلة جديدة....
تلك هي إذن قضية الحقيقة منظورا إليها من زاوية علاقة الفلسفة بالحياة.