من بين مشاكل الدرس الفلسفي التي برزت مع تناسل التأليف الفلسفي التجاري، والذي يعتمد طريقة عرض أطروحات الفلاسفة في خانات وعلى شكل وصفات جاهزة وغالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن موقف الفيلسوف من القضية المطروجة كإشكال. والغريب أن التلاميذ أنفسهم وقعوا ضحية هذه الفلسفة المعلّبة والجاهزة ، إذ يستنسخونها على شكل " حروزة" وينقلونا في ورقة التحرير مباشرة ومن دون تحليل أو مناقشة،إذ تجد المصحح في الامتحان الوطني نفسه أمام قائمة من الفلاسفة يتم عرضها وكأنها أشبه بالقاموس الفلسفي.
هكذا تذهب مجهودات كثير من المدرسين هباء،هؤلاء الذين ينتحرون يوميا في فصولهم الدراسية من أجل إعطاء صورة حقيقية للدرس الفلسفي باعتباره مجالا للعقلنة والمسؤولية. ومن شروط العقلنة، أن يفهم التلميذ المسار المنطقي والإشكالي لتمرحل المجزوءة وصولا إلى أطروحات الفلسفة.
لنشتغل على النموذج التالي:
لا أتصور أن التلميذ لا يُفكّر في كل ما يُكتب على السبورة. مثلا، مجزوءة الوضع البشري.من المطلوب أن يفهم التلميذ رهان هذه المجزوءة، ويفهم مبررات وجود ثلاث مفاهيم ضمنها وهي الشخص والغير والتاريخ. فمن خلال مساءلة السياقات والإشكالات نفهم الأطروحات وليس العكس. وبالتالي رسم استراتيجية بناء المجزوءة يمر من خلال مساءلة كل محطّاتها.فإذا فهم التلميذ أن رهان مجزوءة الوضع البشري هو البحث عن محددات وشروط الوضع البشري، سيفهم بالتبعية أن الشخص والغير والتاريخ هي ذاتها محددات للوجود البشري.يبقى السؤال، لماذا تمثل هذه المحدداث الثلات إشكالات؟ وما هي هذه الإشكالات، وكيف فكّر فيها الفلاسفة، وما النتائج التي يمكن الخروج بها بعد استحضار مختلف الأطروحات التي تم توظيفها في الإجابة على تلك الإشكالات.
مثال، يمثل الشخص مشكلة فلسفية،أولا لأنه ليس معطى أو جاهزا، بل هو رتبة من الوجود يجب الاتنقاء إليها من الشيء،إلى الكائن،إلى الفرد ثم عملية التشخصن التي تؤسس للشخص كذات واعية بإنيتها والمسؤولة عن أفعالها.
ولكن ليس هذا هو الأشكال الوحيد، إذ كيف نفسّر ثلاث محاور : الهوية والقيمة والحرية؟ بمعنى ما هي الإشكالات التي تُطرح بخصوص مفهوم الشخص...بالنسبة للهوية يُطرح مشكل الأساس ( وهذا الأساس قضسة خلافية بين الفلاسفة) بالنسبة للقيمة يُطرح مشكل مصدر القيمة، هل هو العقل أم المجتمع؟ وبالنسبة للحرية تُطرح مشكلة الضرورة، فلإذا كان من شرط انوجاد الشخص أن يكون حرا، فكيف سيواجه الضرورة التي تعترض تحقيق حريته، هنا يتم الانفتاح على تالايخ الفلسفة والذي عرف ثلاث إجابات أساسية: الموقف الفلسفي اللاهوتي الجبري، والموقف القائل بالحرية المطلقة والموقف الجدلي التفاعلي.
بالمحصلة،الأطروحات مفصولة عن سياقاتها الإشكالية والتاريخية وعن التقاطعات المجزوءة والمفاهيم والمحاور، تُحوّل الدرس الفلسفي إلى مجرّد استعراض لمواقف الفلاسفة يحفظها التلاميذ و" يقيّأونها" من دون فهم لأنه وجدها جاهزة في الكتب الفلسفية التجارية.