تحية للأستاذ الكريم
شكرا على هذه التوضيحات القيمة
لدي فقط بضع ملاحظات من أجل تأسيس حوار أعمق حول القضية المثارة. فأرجو أن تسمح لي بالاختلاف معك قليلا إذ لا يُتصور حوار دون اختلاف..
"الوعي بين المقاربتين العلمية والفلسفية"
يوحي العنوان بوجو مقاربتين. وأن العلمية منها تقوم في مقابل الفلسفية
فهل يمكننا فعلا الفصل بين المقاربتين؟ هل تولي الفلسفة ظهرها للأبحاث العلمية وخصوصا المعاصر منها في مجال بيولوجيا أو فيزيلوجيا الدماغ؟ وألا يصوغ العلماء في النهاية تصورات فلسفية؟
لنأخذ تصور شونجو مثلا. إنها مقاربة علمية. نعم. ولكنها تحمل في النهاية تصورا فلسفيا يمكن تسميته الاختزالية Reductionism مفاده اختزال ظواهر الوعي إلى عمليات بيوكيمائية وكهرومغناطيسية تتم على مستوى الدماغ. ولديه طبعا أدلة من أشهرها أن الاكتئاب مثلا هو ظاهرة نفسية تمس الروح -كما يقال- ولكنه أيضا تغيير في كيمياء الدماغ، ودواء البروزاك يسمح مثلا بتصحيح الخلل البيوكيميائي لتخليص المريض من اكتئابه. هنا يتساءل شونجو أين هي الروح إذن أين هو الوعي إن لم يكن مجرد نشاط بيوكيمائي وكهرومغناطيسي يتم على مستوى خلايا الدماغ!؟
لكن، ومقابل التصور الاختزالي لشونجو ومن نحا نحوه نجد في نفس السياق علماء يرفضون اختزال الوعي إلى مجرد نشاط عصبي، ويصرون على التمييز بين المادي واللامادي أي بين الوعي والعمليات الفزيلوجية. ومن أشهرهم دافيد تشالمرز، ولديهم أيضا أدلة من العلم نفسه..
إذن كما نرى مشكلة الوعي هي نفسها المشكلة الديكارتية: هل الإنسان جوهر احد (الجسم/الدماغ/الخلايا) أم جوهران متمايزان أحدهما خاضع لقوانين الميكانيكا والفيزيلوجيا وهو الجسم وآخر يقع خارج مجال هذه القوانين وخارج المكان وهو النفس أو الوعي.
أشير أخيرا إلى اعتراضكم على شونجو:
- اقتباس :
- المؤاخذات التي تؤخد على تصوره هو انه قد يفهم من المعطيات التي اوردها على ان الحيوانات هي
بدورها كائنات واعية مادامت هي بدورها تملك دماغا وسيالات عصبية بمعنى انها
لها نفس الشروط البيولوجية التي تسمح وفق تصور شونجو العلمي ان نقول انها كائنات واعية
كيف سيرد شونجو على الاعتراض؟
امتلاك الحيوانات لأدمغة تسري فيها سيالات عصبية لايعني بالضرورة كونها كائنات واعية! أولا لأن مشكلة الوعي هي ليست سوى إسم آخر لمشكلة "الوظائف العليل للدماغ" وثانيا لأن وظائف أدمغة الحيونات تختلف رغم أن لكل منها أدمغة! فأدمغة الثدييات مثلا تسمح لها باختبار خياة وجدانية عاطفية لا تتوفر للزواحف .. أو اللافقريات. وبالمثل فامتلاك هذه الثدييات نفسها والحيوانات العليا للقشرة الدماغية يجعلها أقرب إلى الإنسان ولكن لايعني بالضرورة أن تكون كائنات واعية. ويعتقد العلماء أن للأمر علاقة بالقشرة الدماغية وعدد الخلايا العصبية وكثافتها وأخيرا التشابكات العصبية.
بعبارة أخرى، لايمكن الاعتراض على "الاختزالية" التي يدعو لها شونجو بمثال الحيوانات ولكن بإثبات أن الوعي معطى لايمكن أبدا رده إلى قوانين العالم الفزيائي
والتلميذ المغربي في كل هذا!؟
هناك رهان يجعل التلميذ المغربي منشغلا بالإشكال ومعنيا بمعالجته: وهو مسألة الروح. لأن الحديث عن إشكالية الوعي وعلاقة بالجسم والدماغ يطرح بالنسبة للموروث الديني للتلميذ مشكلة حقيقة وطبيعة الروح ونمط وجودها...
موضوع شيق وشائق، والكلام فيه لايكاد ينتهي..
أوه أخيرا إلى الكتاب القيم والصغير لجون سورل "العقل" لإن كتيب لكنه قيم لما يلقيه من الضوء على مشكلة الوعي من الزاويتين الفلسفية والعلمية
مع التحية