أنجزتُ هذه الورقة النظرية في إطار درس تجريبي أواخر التسعينات، اشتغلتُ فيه على نص لفرويد، وكان الرهان من الدرس الوقوف على لحظات التقويم التشخيص والتكويني والإجمالي.
إن الحديث عن التقويم في مجال تدريس الفلسفة هو من صميم إخضاع الدرس الفلسفي- باعنباره مسارا تعلّميا وتعليميا- للتقنين الموضوعي الذي حمله الخطاب البيداغوجي الحديث ذي المرجعية الأنجلوساكسونية إلى ميدان الممارسة الفصلية. ودون الدخول في مناقشة الصعوبات المتعلقة بطبيعة خصوصية الدرس الفلسفي ومدى قابليته للقياس والتقنين، اعتبارا من كون الفلسفة محبة للحكمة،والمحبة لا تأتي قسرا عن طريق إخضاعها للإكراه والتقنين، وحتى لا يتم تكريس اختلاف متوحش تنقطع معه الصلة بين الدرس الفلسفي الفصلي ومجالات ذات منحى بيداغوجي وديداكتيكي، وتفاديا للسقوط في هوية عمياء، الفلسفة في عنى عنها، يمكن القول تجاوزا إن التقويم بمختلف رأنواعه يجد مبرر مملرسته ومصداقيته حين نتحدث عن الطابع المؤسساتي للدرس الفلسفي، والذي يفترض تقويما لمكتسبات المتعلمين أثناء الامتحان، يسبقه بالضرورة تقويما مستمرا أثناء الفصل من خلال ثلاث أنواع من التقويم: التشخيصي والتكويني والإجمالي ، باعتنبارهما ثلاث لحظات أساسية القصد منها تطوير العملية التعليمية من خلال التعرف على مكامن القوة والضعف أثناء سيرورة بناء الدرس الفلسفي. من هذا المنطلق يشكل التقويم ضرورة بيداغوجية تضمن للدرس الفلسفي حدّا معينا من العقلانية بدل الاستسلام للعشوائية أو الإرتجالية.
إذن فعل التقويم ضرورة أملتها شروط المؤسسة. لكن هذا الواقع المؤسساتي وإن كان يُخضع الدرس للتقنين الموضوعي الذي يبدو في ظاهره كإكراه خارجي، فإنه لا يروم سوى العقلنة بمفهوهما الوظيفي والمتجلية في مُساءلة مراحل العمل ومدى تحقق الأهداف المسطرة، ودون سجن الدرس الفلسفي في بوثقة التقني المحض ، بيل الدرس الفلسفي قابل وقادر على الانفتاح بل احتضان وتطوير عدد بيداغوجية تمكن من الانفتاح أيضا على كل ما يمكن أن يجل من الفلسفة قابلة للتعلم ومؤسسة للتفكير كتفلسف في الذات وفي الفضاء العمومي للمجتمع المدني، بل يمكن في إطار التلازم الجدلي بين التعلّم والتعليم تبسيط وتحبيب التفلسف للتلاميذ مُستحضرين تجربة المقاهي الفلسفية ورواية " عالم صوفي "
ويمكن استحضار المذكرات 127.145.149، والتي أكدت على :
1- سلامة الدرس الفلسف.
2- مدى تحقق أهدافه ( بمعنى أن صلاحية التقويم تتحقق عندما تكون الأسئلة ملائمة للأهداف المحددة من قبل المدرس)
3- مدى تناسق مكونات الدرس.
4- عمل الدرس وطرقه في التدريس.
5- استعداد التلميذ واستيعابه.6- تطور عملية التعلم.
وقد عمدت النذكرة 127 إلى اقتراح شكلين للتقويم: الشفوي والكتالي ،ولكن هذين الشكلين يمكن إدراجهما-حسب الأدبيات البيداغوجية-ضمن أنواع التقويم الثلاث المعروفة:
أولا : التقويم التشخيصي : ويتعلق بمساءلة التلاميذ قبل الشروع في إنجاز درس أو وحدة بُغية التعرف على مدى تحكمهم في مكتسبات سابقة، قد يستند عليها لتدريس معطيات جديدة. ومن مزايا التقويم التشخيصي التعرف على مواطن القوة والضعف في العملية التعليمية السابقة قصد إغنائها وتطويرها وتجاوز عيوبها ونواقصها. فالتقويم التشخيصي نشاط شفوي يُشكّل السؤال البيداغوجي أحد دعائمه الأساسية لأنه بوضوح صياغته ودقّته، يُرؤسس نقلشا أو حوارا مثمرا هادف بين المدرس والتلاميذ، وبين التلاميذ فيما بينهم.
ثانيا: التقويم التكويني: إن الدرس الفلسفي مسار منظم على شكل محاور ووحدات ومراحل متناسقة وفق أهداف مسطرة قبلا، والتي يتم تحديد جزء كبير منها لحظة الطرح الإشكالي والمطلوب من الدرس الفلسفي الإجابة عليها، وبالتالي فنوع الهدف ( اإجابة على إشكال، مساءلة أطروحة، نقدها، تفنيده، الفهم ، التحليل....) هو الذي يحدد طبيعة السؤال البيداغوجي لغة ومضمونا تفاديا للالتباس أو عدم التواصل.
إن التقويم التكويني المرافق لسيرورة الدرس هو الأداة التي تضبط مدى حصول الانسجام والترابط بين المحاور والوحدات، كما يجعلنا نتعرف أيضا على مدى متابعة التلميذ بكيفية ملائمة لمراحل الدرس. لهذه الاعتبارات يمكن القول إن التقويم التكويني إجراء عملي يُمكّن المدرس والتلميذ من التدخل لتصحيح مسار الفعل التعليمي والتعلّمي.
استنتاج:
1-إذه هناك فرق بين التقويم التشخيصي والتقويم التكويني، الأول يُقوّم ما اكتسبه التلميذ سابقا، والثاني يقوّم سيرورة الدرس التعليمي خلال جلّ مراحله. فهما معا آداتان للتقويم المستمر.
2- وحتى يكون التقويم فعّالا وإيجابيا يجب تنويع العدد البيداغوجية( الخطاطات، الصور.....)
ثالثا: التقويم الإجمالي:فهو إجمالي لأنه يتعلق بنهاية درس أو دورة أساسية، ويهدف إلى التحقق من مدى بلوغ الأهداف النهائية، وبالتالي فهو يفتح إمكانية التواصل بين المدرسين والمشرفين التربويين لمناقشة وتحليل مدى تحقق الأهداف العامة والصعوبات التي اعترضت عملية بناء الدرس والبحث عن كيفية تجاوزها.
واعتبارا لكون التقويم الإجمالي يرتبط بالمراقبة المستمرة والامتحان الوطني، وباعتباره أيضا مناسبة من خلالها يُبرهن التلميذ على مدى استيعابه المعرفي والنقدي والمنهجي لمعطيات الدرس الفلسفي، من خلال إنتاج عمل شخصي منظّم ومتكامل، فإن هذين الاعتبارين يطرحان العديد من المشاكل، وعلى رأسها تداخل مفهوم التقويم مع التنقيط. لهذا ساد اعتقاد خاطئ أن التقويم يُساوي التنقيط. والدليل على ذلك أن التلاميذ لا يُعيرون أية أهمية لتقويم غير مُنقّط، وغير مدركين أن التقويم في الأصل هو إصلاح وتطوير وإغناء سيرورة التعلم والكشف عن الصعوبات التي تعترض فهم التلاميذ للدرس وإشكالاته. وإذا ما أخذ التقويم مساره الطبيعي فمن المنطقي أن التلميذ الذي خضع لمختلف أشكال التقويم لحظة سيرورة بناء الدروس، لن يرهبه الامتحان الوطني أو التقويم الإجمالي، ما دام من المفروض أنه خضع لعملية عقلنة مسار تعلمه طيلة دورة دراسة، مع العلم أننا في الفلسفة أثناء التقويم الإجمالي لا نردّ بضاعة إلى أصحابها ، بل المفروض ممارسة التفكير والتفلسف. ومن يخاف من ممارسة التفكير- بممارسة الغش والمقامرة- يدل على أن مسار تعلمه وتقويمه قد شابه خلل.