أقترح في هذه المداخلة مناقشة قضية دور أو وظيفة النص الفلسفي في بناء الدرس الفلسفي.
نُعيد طرح السؤال المنسي : بأي أفق يحضر النص في درس الفلسفة؟
مع التجربة الجديدة أصبحنا نتعامل مع نوعين من النصوص: الأولى تحضر بصفتها مدخلا لإثارة الإندهاش لدى التلاميذ من خلال نقلهم إلى المجال الإشكالي المقصود إنتاجه وتحليله، ونقصد بذلك النصوص التي تحضر ضمن الوضعية المشكلة، لكن مع الأسف يتم تحليل هذه النصوص بمثل نصوص المحاور. مع العلم أن دور نص ( كان مكتوبا فلسفيا أو أدبيا،أو صورة، ....) الوضعية المشكلة ليس للتحليل، بل التمهيد لإثارة إشكال..( وسأعود فيما بعد للتفصيل بخصوص أية مقاربة لنصوص الوضعية المشكلة؟). النصوص الثانية هي النصوص التي يتم تحليلها ضمن كل محور في ارتباطه بمفهوم معين.
والحالة هذه أين المشكلة؟
هنا تُطرح مُعضلة المقاربة التجزيئية للنص. ما المقصوص بهته المقاربة وما الفرق بينها وبين المقاربة الوظيفية؟
يُشاع لدى كثير من مدرسي الفلسفة أن النصوص يتم تحليلها من خلال استجلاء كل تفاصيلها ومكوناتها الدلالية من دون توظيف هته النصوص في الإجابة على الإشكال المطروح في المحور. وكثيرا ما ينجّر المدرس وراء تفاصيل لاتخدم بالضرورة ما نرومه من النص، بل أكثر من هذا، في كثير من الأحيان يتم التركيز على منطوق النص لذاته وفي مجال تخصّصه ( العلمي والعلمي الإنساني)، وعندها يتيه التلاميذ في تفاصيل لا تُساعدهم على فهم المقصود من تحليل النصوص. أعطي مثالا:
أحسن وأشهر مثال للقراءة التجزيئية تتجسد في تحليل النصوص"غير الفلسفية"!!، مثل نصوص التحليل النفسي، أو نصوص العلماء في مجزوءة النظرية والتجربة، والعلمية في العلوم الإنسانية... وتظهر تلك المقاربة في الوقوع ضحية خصوصية تلك النصوص، وبدل قيام مدرس الفلسفة باستدعاء مضامين تلك النصوص إلى مجال الفلسفة من خلال توظيفها في الإجابة على إشكال المحور، نراه ينسحب من مجال الفلسفة ليغرق في تفاصيل تلك النصوص وفي مجالها الخاص، ليقع في شراكها والسقوط في مجالاتها الإبستمولوجية الخاصة بعيدا عن استحضارها باعتبارها كإمكانية لاستجلاء ما يخدم مشكلة فلسفية وهذا هو رهان حضورها.
مثال. نص فرويد في " كتاب التلميذ" منار الفلسفة" ضمن محور: الشخص بين الضرورة والحرية.وفي نظري هذا النص ليس وظيفيا، ولا يمكن له بحال من الأحوال أن يُجيب على إشكال المحور. بمعنى أن النص يتحدث عن وظيفة الأنا داخل الجهاز النفسي، ومنطق النص يُراهن على قضية التوازن بين مكونات الجهاز النفسي..وهذه المهمة موكولة ل" الأنا " من خلال التوفيق بين مُطلبات كل من الهو والأنا الأعلى والعالم الخارجي.السؤال : ما الذي يقوله النص حتى نجد فيها إجابة على مشكلة الضرورة والحرية؟ قد يجتهد البعض في استخراج مفهوم للضرورة من كون الشخص محكوم بيولوجيا من جهة " الهو ". أقول هذا إسقاط- وإن كان مشروعا داخل المنظومة الفرويدية، ولكن النص لا يُساعد على الإجابة على إشكال المحور: الضرورة والحرية. لكن من الغير المقبول أن يقوم المدرس في تحليل النص " إن الأنا مضطر أن يخدم......" بناء على منطق النص الذي يُركز بالخصوص على وظيفة الأنا..وينساق المدرس مع بقية التفاصيل ويتجاهل توظيف النص في الإجابة على إشكال المحور...ما الذي يقع؟ إن سيرورة القراءة التجزيئة للنص تفصل النص عن مجاله الإشكالي وتعتقل المدرس في تفاصيل النص، وهي ليست بأي حال المقصودة لذاتها ، بل توظيفها في معالجة إشكال المحور.وكم يؤسفني تحول درس الفلسفة إلى ما يُشبه تحليل " التلاوة المفسرة"بدون مرجيعية إشكالية، وبدون أفق تفلسفي. وبالفعل ترى التلاميذ يتسابقون في الإجابة على أسئلة تروم استخراج منطوق النص لذاتها دون ربطها بمدى إجابتها على إشكال مطروح- وهذا هو دور مدرس الفلسفة-أي من خلال مقاربته الوظيفية، بمعنى جلب منطوق النص - الفرويدي مثلا- من حقله غير الفلسفي إلى حقل الفلسفة، وليس العكس.فأنا لا تهمني التفاصيل الإكلينيكية الفرويدية المتعلقة بالبناء الطوبوغرافي للجهاز النفسي...بل كيف أوظف ما توصل إليه فرويد فلسفيا، وليس الوقوع في فخ منطوق النص كنص في التحليل النفسي.
وللحديث بقية